فاضل حسين
كاتب ومسرحي / كركوك
بول ريكور ( 1913 – 2005 ) فيلسوف فرنسي اشتغل في حقول متعددة شملت اللسانيات والأدب والتحليل النفسي والبنيوية والظاهرية والوجودية وقد تعزز حضوره منذ عام 1983 بعد صدور كتابه ( الزمن و السرد ) الذي أنفتح على مفهومات الزمان والذاكرة والهوية والأنا والآخر والفعل الإنساني والأخلاق .. وهرمنيوطيقا الشك عنده موجهة بشكل مباشر إلى نقد الأيديولوجيا ونزع قناع التفسيرات الخاطئة أو المشوهة للمجتمع والآراء التي تفرض على النص من قبل القارئ الذي يجلب إلى النص اهتماماته المميزة وتأكيداته وإحكامه المسبقة وفهمه الأيديولوجي المسبق .. وبقدر تعلق الأمر بقضايانا الفكرية والمفاهيم التي أفرزتها الأوضاع الحالية سأُورد بعضاً من مقارباته حول التأويل والشك والأنا والآخر..
يقول بول ريكور : للمحادثة روحها الخاصة .. ففي المحادثة الحقيقية يكون الموضوع المشترك هو الذي يربط الطرفين المتقابلين مع فعل الفهم نفسه وبلوغ التوافق .. وكلما كانت المحادثة أصيلة قل اعتماد إجراءها على أداة أي من الطرفين.. وعند وجود أدنى شك يتطور التأويل ويخرج عن سكته ويستعصي الفهم والاتفاق بين الطرفين، ويحدث عندها أن الطرفين يتحاوران بلغة غريبة متبَّلة بالحساسية والخداع .. وعند التطبيق العملي في الحوارات السياسية يحاول كل طرف أن يسقط رغباته وتراكيبه العقلية في مفهوماته الخاصة ، بصراحة مستلة من الولاء وينشغل المقابل لوهلة بالإصغاء والسماع واضعا يده على مقبض خنجر الشكوك .. كل طرف يحاول أن يتقنع بقناع زائف ويري لنفسه ولجماعته صورة جميلة تناقض الواقع مزدانة ومؤطرة بأكاليل النبل والأصالة والمودة .. وهناك من يعاني من مشكلة عويصة وقد وصلت قناعته المسبقة بأن آراءه هي الصحيحة وآراء الآخر مشوهة وغير دقيقة تنقصها المصداقية ولا بد أن يتخلى عنها ويقر ويؤمن بآرائه هو .. لا .. بل ويعترف بخطئه ويتنازل عن جزء أو كل امتيازاته ( في الوطن الواحد الذي من المفروض أن يعيش فيه الجميع شركاء متساوون ) وينتظر الصدقات الجارية بين حين وآخر .. أذن هناك خطاب من وراء أنفسنا ورغباتنا ومبادئنا وأيديولوجياتنا وبرامجنا وهي تناقض العرض الظاهر .. أن الذين يعانون من الشكوك وفوبيا الآخر سيكون من الصواب القول أنهم متورطون في تهديم الأفكار والتوافق والإبداع ويسعون لجعل الحياة أكثر سوءاً وقناعة .. هؤلاء وأُولئك يراهنون على غباء المتلقين ويحاولون وضع القناع للوعي و التواجد باتجاه المغايرة والسفر خارج المكان والزمان والانخراط في عالم سفسطائي يبقي الشك قنبلة موقوتة ودائم الحضور.. هناك هيمنة لمفهومات وأحكام مسبقة تثير التساؤلات حول جدوى المحادثة والتواصل .. أن سؤال الشك إلى البحث عن الحقيقة عند العديد من الفلاسفة والمفكرين في الشرق والغرب .. وقد أتخذ الفيلسوف الفرنسي وديكارت " من الشك سلماً للوصول إلى منقطة العقلاني المعروف فالذي يشك يعني أنه يفكر بالضرورة، حتى الذي يشك في أنه يفكر فمثل هذا الشك يقتضي أنه يفكر أيضاً .. والذي يفكر فهو موجود بالضرورة ( أنا أفكر أذن فأنا موجود ) .. يقول ديكارت : أن اختلاف آرائنا لا ينشأ عن كون بعضنا أعقل من بعض ، وإنما ينشأ عن كوننا نوجه أفكارنا في طرق متباينة ولا نرى الأشياء ذاتها ) .. ويقول الفيلسوف بول ريكور : عليّ تطبيق الشك على ذاتي .. هل أنا الذي يفرض المعنى على الآخر؟ هو يجوز لي ذلك ويحق لي ؟ .. وهل يقول المنطق السليم هذا ؟ .. هل يجب أن نضع للآخر قياساً خاصاً وحسب فهمنا المسبق ؟ وهل من المنطق أيضاً وعرف الدين والإنسانية إيصال حقيقتنا أو منطقتنا أو مفاهيمنا المختلفة وغيرها للآخر بطريقة مروعة وعلى شكل هيمنة شمولية مطلقة ؟ .. يجب أن يفهم بأن الآخر ليس مجرداً ولكنه آخر محسوس ملموس شريط فعاّل.. ( لا يمكن أن تصبح تجربتي هي تجربتك .. ولا يمكن أن تنتقل ملكية حدث ما من تيار وعي أن إلى تيار وعيك .. ) أن التخاطب والمحادثة والتأويل والتواصل بهذه الطريقة سرقة وهضم ولجم الآخر بمسوغات أمقل وصف لها بأنها عميلة غير إنسانية وغير حضارية .. وأن ( الذي يشرب الماء الممجوج مرة دون يدري لا يقترب منه ثانية .. ) لكن أولئك الذين يستهينون المنصب والسلطة يجدون طعم ذلك الماء الممجوج أشد حلاوة من الشهد .. أن الفيلسوف بول ريكور كتب مثل هذه القضايا الحساسة في بلد متقدم ولو كان عاش بيننا فلربما كتب أفكاراً أشد قتامة وسوداوية .. وربما لم يكتب شيئاً ..
كاتب ومسرحي / كركوك
بول ريكور ( 1913 – 2005 ) فيلسوف فرنسي اشتغل في حقول متعددة شملت اللسانيات والأدب والتحليل النفسي والبنيوية والظاهرية والوجودية وقد تعزز حضوره منذ عام 1983 بعد صدور كتابه ( الزمن و السرد ) الذي أنفتح على مفهومات الزمان والذاكرة والهوية والأنا والآخر والفعل الإنساني والأخلاق .. وهرمنيوطيقا الشك عنده موجهة بشكل مباشر إلى نقد الأيديولوجيا ونزع قناع التفسيرات الخاطئة أو المشوهة للمجتمع والآراء التي تفرض على النص من قبل القارئ الذي يجلب إلى النص اهتماماته المميزة وتأكيداته وإحكامه المسبقة وفهمه الأيديولوجي المسبق .. وبقدر تعلق الأمر بقضايانا الفكرية والمفاهيم التي أفرزتها الأوضاع الحالية سأُورد بعضاً من مقارباته حول التأويل والشك والأنا والآخر..
يقول بول ريكور : للمحادثة روحها الخاصة .. ففي المحادثة الحقيقية يكون الموضوع المشترك هو الذي يربط الطرفين المتقابلين مع فعل الفهم نفسه وبلوغ التوافق .. وكلما كانت المحادثة أصيلة قل اعتماد إجراءها على أداة أي من الطرفين.. وعند وجود أدنى شك يتطور التأويل ويخرج عن سكته ويستعصي الفهم والاتفاق بين الطرفين، ويحدث عندها أن الطرفين يتحاوران بلغة غريبة متبَّلة بالحساسية والخداع .. وعند التطبيق العملي في الحوارات السياسية يحاول كل طرف أن يسقط رغباته وتراكيبه العقلية في مفهوماته الخاصة ، بصراحة مستلة من الولاء وينشغل المقابل لوهلة بالإصغاء والسماع واضعا يده على مقبض خنجر الشكوك .. كل طرف يحاول أن يتقنع بقناع زائف ويري لنفسه ولجماعته صورة جميلة تناقض الواقع مزدانة ومؤطرة بأكاليل النبل والأصالة والمودة .. وهناك من يعاني من مشكلة عويصة وقد وصلت قناعته المسبقة بأن آراءه هي الصحيحة وآراء الآخر مشوهة وغير دقيقة تنقصها المصداقية ولا بد أن يتخلى عنها ويقر ويؤمن بآرائه هو .. لا .. بل ويعترف بخطئه ويتنازل عن جزء أو كل امتيازاته ( في الوطن الواحد الذي من المفروض أن يعيش فيه الجميع شركاء متساوون ) وينتظر الصدقات الجارية بين حين وآخر .. أذن هناك خطاب من وراء أنفسنا ورغباتنا ومبادئنا وأيديولوجياتنا وبرامجنا وهي تناقض العرض الظاهر .. أن الذين يعانون من الشكوك وفوبيا الآخر سيكون من الصواب القول أنهم متورطون في تهديم الأفكار والتوافق والإبداع ويسعون لجعل الحياة أكثر سوءاً وقناعة .. هؤلاء وأُولئك يراهنون على غباء المتلقين ويحاولون وضع القناع للوعي و التواجد باتجاه المغايرة والسفر خارج المكان والزمان والانخراط في عالم سفسطائي يبقي الشك قنبلة موقوتة ودائم الحضور.. هناك هيمنة لمفهومات وأحكام مسبقة تثير التساؤلات حول جدوى المحادثة والتواصل .. أن سؤال الشك إلى البحث عن الحقيقة عند العديد من الفلاسفة والمفكرين في الشرق والغرب .. وقد أتخذ الفيلسوف الفرنسي وديكارت " من الشك سلماً للوصول إلى منقطة العقلاني المعروف فالذي يشك يعني أنه يفكر بالضرورة، حتى الذي يشك في أنه يفكر فمثل هذا الشك يقتضي أنه يفكر أيضاً .. والذي يفكر فهو موجود بالضرورة ( أنا أفكر أذن فأنا موجود ) .. يقول ديكارت : أن اختلاف آرائنا لا ينشأ عن كون بعضنا أعقل من بعض ، وإنما ينشأ عن كوننا نوجه أفكارنا في طرق متباينة ولا نرى الأشياء ذاتها ) .. ويقول الفيلسوف بول ريكور : عليّ تطبيق الشك على ذاتي .. هل أنا الذي يفرض المعنى على الآخر؟ هو يجوز لي ذلك ويحق لي ؟ .. وهل يقول المنطق السليم هذا ؟ .. هل يجب أن نضع للآخر قياساً خاصاً وحسب فهمنا المسبق ؟ وهل من المنطق أيضاً وعرف الدين والإنسانية إيصال حقيقتنا أو منطقتنا أو مفاهيمنا المختلفة وغيرها للآخر بطريقة مروعة وعلى شكل هيمنة شمولية مطلقة ؟ .. يجب أن يفهم بأن الآخر ليس مجرداً ولكنه آخر محسوس ملموس شريط فعاّل.. ( لا يمكن أن تصبح تجربتي هي تجربتك .. ولا يمكن أن تنتقل ملكية حدث ما من تيار وعي أن إلى تيار وعيك .. ) أن التخاطب والمحادثة والتأويل والتواصل بهذه الطريقة سرقة وهضم ولجم الآخر بمسوغات أمقل وصف لها بأنها عميلة غير إنسانية وغير حضارية .. وأن ( الذي يشرب الماء الممجوج مرة دون يدري لا يقترب منه ثانية .. ) لكن أولئك الذين يستهينون المنصب والسلطة يجدون طعم ذلك الماء الممجوج أشد حلاوة من الشهد .. أن الفيلسوف بول ريكور كتب مثل هذه القضايا الحساسة في بلد متقدم ولو كان عاش بيننا فلربما كتب أفكاراً أشد قتامة وسوداوية .. وربما لم يكتب شيئاً ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق