الأب يوسف سعيد
شعره وشاعريته
(1)
وهو ينهل من معين اللاهوت، يدرك ماهية أن تتسع به الرؤية، وبالتالي الأفكار،لأجل الحكمة والكلمة عبر نفس ترفرف بالمحبة، وبمسار متلائم متلازم،وببهجة ترنو لها كل مهجة.إذ يبحر في نفسه، يجعل كل شيء في مكانه،فهو يعرف ماذا يتأمل،ويعرف ماذا يريد، مثلما الشعر يعرف حين يدخل تحت مبايعة الأسرار. كل شيء عنده يفرح ولا يريد البكاء. غير مكبل وهو يلوي الآلام، يصعد شجرة الشعر، ولا يلقي بالأحلام من بئر النسيان. يتساءل ولا يهدأ في الصبح مثلما في الحكمة والجذور،والزمن الذي يطوي بعض أقاويل العالم، وألسنة ضيوف نزلوا بعيداً في وليمة المحنة. انه من أمطار الصدق، يبحث عن الأسئلة ويطلق السكينة. هذا الطهر، وهذه الشجرة تجود، وهي ميزة الشاعر في فواد البراءة. أشهر العبارة ، ورأى أياماً تملؤها كل الصرخات. الأب يوسف سعيد، راعي الكنيسة والشاعر، يلقي في باطن الشوق أزهار الرهبة، ويكتب في أمان الدار بعض هذا العذاب، وهذا الذي قيل في الماضي وعن الحاضر.
هو يدري إلى أين، وما الحيلة .يلتمس في خوف الصواب حمامة البريق،و زيتونة الأمل، بالعقل وبالحس.وبأنهار الروح يرى كل الطفولة، ويرى الحياة،والبراءة وما تريد، وبها كذلك يرسم الأنوار في انشغالات الأفق.ولهذا فالحديث عن الراهب الشاعر هو فعل في كل هذه الأبواب التي تحدق دون رتابة أو تفكك. هو استيقاظ معبأ بجذور الضوء تشهد له الدائرة المضيئة، وتتعانق كي تعلن بان العشب منذ الفجر يلوح بروح الحرية. لا تهدأ أشعاره في كل ذلك ، منذ أن هبط إلى العالم عام1936 في الموصل لينغمس في علوم وتعليم المدارس الكنسية بأديرتها. وفي ذات الوقت تتلقى المكتبة الشعرية دفقا من مجاميعه البهية، حملت بعضها العناوين التالية :-
أ- الموت واللغة.1968 / ب- ويأتي صاحب الزمان.1968 / ج- طبعة ثانية للتاريخ.1997/ د- سفر الرؤية / هـ- الشعر الآتي . 1986/ و- الشموع ذات الاشتعال المتأخر.1988/ ز- مملكة القصيدة.1988/ ح- حضور الإبداع. 1989/ ط - فضاءات الأب يوسف سعيد.1999 / ي- السفر داخل المنافي البعيدة.
جاء إلى وطنه العراق في العام 1986 ليشارك في مهرجان المربد الشعري. وبالإضافة إلى الشعر، يكتب النقد وله دراسات عميقة ونصوص ثرة .
فيما يعيش الموت كحقيقة واقعة،يجابه بانسيابية وانفعالية،النفس، لأنه يدرك إن الصمت هو فراق دنيوي. وهكذا يكون الرجل مساحة أرحب في إسقاطات الخروج عن وهمية الأشياء نحو يقين الفضاء وتوهجاته :
( أكنت ذات يوم إلهاً؟ قذى ؟ صخرة؟! بلى كنت تراباً أدثرُ رأسي بالموت واللغة
ننشد في هيكل الكلس
تتمطى اللغة في مركبات القواميس
الشفرة الغامضة غامضة ! ).
من قصيدة الموت واللغة. مجموعة الموت واللغة
وبمقدار ما يصعد في عوالم اليقين،ويبتعد عن العبثيات،يكون الموقف إزاء القضية / الحقيقة التي لابد منها من المسلمات التي تغفو عليها النفس المؤمنة. وهذا الانقياد إرادي ولا إرادي :-
( من يلمس الموت؟
حكمتي أن ارقد
أنام
أنسى القيامة الميلاد ).
من قصيدة استسلام/ م .الموت واللغة
انه مدرك لآليات التفاعل الذي يأخذ جانباً كيميائياً، في إشارة إلى عملية الفناء المادي، وتحليق الروح في ديمومة أبدية ترعاها حقيقة مطلقة، عبر تساؤل خالد :
من يشتري العفونة من تابوت قيصر
من يشتري الحياة !!
من قصيدة الخلاص / م . الموت واللغة
في فضاءات الأب يوسف سعيد تحليقات وتوهجات شعرية جامحة،متدفقة، متلألئة بعمق ديمومة السر الروحي والمبنى المادي، وانسيابية ذلك، وكل في نسق، وتحول، وأسرار، وتواصل وتفاعل تأملي عميق. إنها منهل الروح في مسار التواصل تتشابك فيها عوالم غير محددة، توظيفات شعرية رحبة،تصورات نزيف اللاشعور في قصائد الديوان نلمس كيانية بمصداقيتها وحرارتها، بمعانيها وشحناتها، بمغادراتها ومقارباتها. في كل الأحوال هناك نمطية نظامية تنساب فيها قصائده، تشع وتتفجر فيها أسئلة تتأتى من تناغمات متآلفة وشبكية :
الأرض تحتضن في أحشائها مهجة النور
تتلقى قطرات الندى والغيوث في صدر الجلد
أيتها الأرض،
وجهك قطعة من شرائح مطر البركات
بذارك من برارة النجوم البعيدة
الأرض تخبئ في أوداجها منازل الظلمة..
هذا النص يقف على جدلية تودعك بالتفاتة إلى دلالاتها، حيث مبدأ الوحدة العضوية طبقاً لتناغمية الإرادة التي إليها المرد.
الأرض تحضن في أحشائها مهجة النور أو ( الأرض تخبئ في أوداجها منازل الظلمة
ولهذا فالأب سعيد يلم بهذا المسار، وبعفوية، وإيمانية تعمق الصورة،وتجعله نواة لا مداراً.
في قصيدة التراب نجد القدرة البارعة على استيعاب الدفعات الشعورية المتعددة الدلالات والمعاني،وفق مرونة تشيع فيها الظاهرة الفنية التي تندرج في أتونها كامل المخيلة،والهواجس،والتلهف. إن تنامي أدوات الحكمة في أبدية السر،هو عنصر التفريغ الذي يشيع طابع إشباع النفس، وتجلياتها بطريقة فنية تؤشر ترابطاً متجانساً متعمقاً في إطار وعي وباطن الشاعر،ولهذا نجد المنحى الفلسفي :
تراب يعانق البحر
ويلوح لبيارق قوافل سفنه وبواخره
يحرر أعصابنا من شوكة الجسد
وسياق الحكمة الأزلية:
تراب أنجب أباه ونظم تاريخ عشائره
تراب في قصور الملوك
يستريح منجل الحصاد على تراب القمح .
ثم الوحدة الأساسية لكنه عملية الخلق والوعي واضاءاتها المرتبطة برؤية،وافق، وعمق الاختيار :
( تحسس حده التراب
وسادته من تراب
لحافة من تراب
عظامه من تراب ).
وتأتي رائعته المفتوحة في أسفار اللاهوت، ومحطاته الرسالية عبر خطابات وأمكنة، وعبر تناغمات وامتدادات في مسارات روحية رحبة،بتجليات ومناشدات، لتشكل ديوانه الثاني في سلسلة إصداراته الشعرية. فمن صفاء اليقين،ويقين الصفاء،وعبر صوفية مسيحية وينابيع لاهوتية،تكون مقاربات الأمكنة والرموز أسفاراً متواصلة في مسالك المحبة،تبقي على الحقائق في تحليقات عميقة طليقة في سموها الروحي :
( سيأتي في ساعة بلا ظنون )
وكذلك
( سيأتي صاحب الزمان في اللحظة البكر
في هبوب النسيم على الرعشة الجفون ).
في هذه القصيدة- الديوان، تتكشف الصور، وتتداخل، وتتعدد الأبعاد، وقدوم الرمز(صاحب الزمان) معطى إيماني حوله الشاعر إلى عناصر وهاجة شعرية،أكسبت تجربته أبعادا اتسمت بالخصوصية، وكانت لها هوية:
(سيأتي صاحب الزمان في اللحظة البكر)
في هبوب النسيم على رعشة الجفون.
سيأتي بعد أن يستنزف من أصابعه الخمسة رعشة الأشواق
سيقول لهذه الجحافل المنتظرة،
عمموا هاماتكم بألوان من قوس قزح،
وادخلوا في سجف السنين ثانية
لينام الوقت محنطاً في أوداجكم الوردية ).
(3)
في قصائده الأب الشاعر انسيابية،وعفوية تشير إلى دفقات سريالية الملامح، تسقطها أحلامه، ورؤياه، في خضم موجات الوجود والحكمة. إن الانفعالات،التراتيل،الطبيعة والغناء،الوجود والفضاءات الرحبة، تنبع من أحاسيسه لتنساب في شعره بأبهى رحلة تغرق في الأمكنة والأزمنة بمقارباتها وتواصلانها. هذه النصوص من مجاميعه الثلاث رحلة في أسفار اليقين.
1-الموت واللغة/من ديوان (الموت واللغة)
في سطح لساني عرق أخطر
ينز على بوابة مخي
لغة الإشارة والضحك والنحيب والرموز
أكنت ذات يوم إلها؟قذى؟صخرة؟!
بلى كنت تراباً
أدثر رأسي بالموت واللغة
ننشد في هيكل الكلس
تتمطى اللغة في مركبات القواميس
الشفرة الغامضة غامضة!..
2- استسلام/من ديوان (الموت واللغة)
سيبح الموت ُ أصابعي
انفصلت الروح عن الصدأ
من يلمس الموت؟...
حكمتي أن أرقد، أنام، أنسى القيامة الميلاد
أبيع في سوق النخاسة ذاكري وصداي وقميصي.
عشيرتي تبكي … هل في أفريقيا فردوس؟!!..
3- من قصيدة( ويأتي صاحب الزمان )
سيأتي صاحب الزمان في اللحظة البكر
في هبوب النسيم على رعشة الجفون
سيأتي بعد أن يستنزف
من أصابعه الخمسة رعشة الأشواق
سيقول لهذه الجحافل المنتظرة
عمموا هاماتكم بألوان من قوس قزح
وادخلوا في سجف السنين ثانية
لينام الوقت محنطاً في أوداجكم الوردية..
ويبقى البحر ثانية.وقد كُبلت أمواجه الدهرية لأيام وسنين،
وعندما يتحول الإنسان في كل مكان إلى رقيم مطلسم
يأتي صاحب الزمان على حافة الحفر البابلية..
عادة في الصباح الوليد يقرأ قصائده
وفي المساء يوقع على قيثارته
ذات الأوتار العشرة مزاميره الرقيقة..
(2)
موناليزا حبيبتي
للأديب محمد خورشيد قصاب أوغلو
مشاهد تعزف على الذات عشقاً
شعره وشاعريته
(1)
وهو ينهل من معين اللاهوت، يدرك ماهية أن تتسع به الرؤية، وبالتالي الأفكار،لأجل الحكمة والكلمة عبر نفس ترفرف بالمحبة، وبمسار متلائم متلازم،وببهجة ترنو لها كل مهجة.إذ يبحر في نفسه، يجعل كل شيء في مكانه،فهو يعرف ماذا يتأمل،ويعرف ماذا يريد، مثلما الشعر يعرف حين يدخل تحت مبايعة الأسرار. كل شيء عنده يفرح ولا يريد البكاء. غير مكبل وهو يلوي الآلام، يصعد شجرة الشعر، ولا يلقي بالأحلام من بئر النسيان. يتساءل ولا يهدأ في الصبح مثلما في الحكمة والجذور،والزمن الذي يطوي بعض أقاويل العالم، وألسنة ضيوف نزلوا بعيداً في وليمة المحنة. انه من أمطار الصدق، يبحث عن الأسئلة ويطلق السكينة. هذا الطهر، وهذه الشجرة تجود، وهي ميزة الشاعر في فواد البراءة. أشهر العبارة ، ورأى أياماً تملؤها كل الصرخات. الأب يوسف سعيد، راعي الكنيسة والشاعر، يلقي في باطن الشوق أزهار الرهبة، ويكتب في أمان الدار بعض هذا العذاب، وهذا الذي قيل في الماضي وعن الحاضر.
هو يدري إلى أين، وما الحيلة .يلتمس في خوف الصواب حمامة البريق،و زيتونة الأمل، بالعقل وبالحس.وبأنهار الروح يرى كل الطفولة، ويرى الحياة،والبراءة وما تريد، وبها كذلك يرسم الأنوار في انشغالات الأفق.ولهذا فالحديث عن الراهب الشاعر هو فعل في كل هذه الأبواب التي تحدق دون رتابة أو تفكك. هو استيقاظ معبأ بجذور الضوء تشهد له الدائرة المضيئة، وتتعانق كي تعلن بان العشب منذ الفجر يلوح بروح الحرية. لا تهدأ أشعاره في كل ذلك ، منذ أن هبط إلى العالم عام1936 في الموصل لينغمس في علوم وتعليم المدارس الكنسية بأديرتها. وفي ذات الوقت تتلقى المكتبة الشعرية دفقا من مجاميعه البهية، حملت بعضها العناوين التالية :-
أ- الموت واللغة.1968 / ب- ويأتي صاحب الزمان.1968 / ج- طبعة ثانية للتاريخ.1997/ د- سفر الرؤية / هـ- الشعر الآتي . 1986/ و- الشموع ذات الاشتعال المتأخر.1988/ ز- مملكة القصيدة.1988/ ح- حضور الإبداع. 1989/ ط - فضاءات الأب يوسف سعيد.1999 / ي- السفر داخل المنافي البعيدة.
جاء إلى وطنه العراق في العام 1986 ليشارك في مهرجان المربد الشعري. وبالإضافة إلى الشعر، يكتب النقد وله دراسات عميقة ونصوص ثرة .
فيما يعيش الموت كحقيقة واقعة،يجابه بانسيابية وانفعالية،النفس، لأنه يدرك إن الصمت هو فراق دنيوي. وهكذا يكون الرجل مساحة أرحب في إسقاطات الخروج عن وهمية الأشياء نحو يقين الفضاء وتوهجاته :
( أكنت ذات يوم إلهاً؟ قذى ؟ صخرة؟! بلى كنت تراباً أدثرُ رأسي بالموت واللغة
ننشد في هيكل الكلس
تتمطى اللغة في مركبات القواميس
الشفرة الغامضة غامضة ! ).
من قصيدة الموت واللغة. مجموعة الموت واللغة
وبمقدار ما يصعد في عوالم اليقين،ويبتعد عن العبثيات،يكون الموقف إزاء القضية / الحقيقة التي لابد منها من المسلمات التي تغفو عليها النفس المؤمنة. وهذا الانقياد إرادي ولا إرادي :-
( من يلمس الموت؟
حكمتي أن ارقد
أنام
أنسى القيامة الميلاد ).
من قصيدة استسلام/ م .الموت واللغة
انه مدرك لآليات التفاعل الذي يأخذ جانباً كيميائياً، في إشارة إلى عملية الفناء المادي، وتحليق الروح في ديمومة أبدية ترعاها حقيقة مطلقة، عبر تساؤل خالد :
من يشتري العفونة من تابوت قيصر
من يشتري الحياة !!
من قصيدة الخلاص / م . الموت واللغة
في فضاءات الأب يوسف سعيد تحليقات وتوهجات شعرية جامحة،متدفقة، متلألئة بعمق ديمومة السر الروحي والمبنى المادي، وانسيابية ذلك، وكل في نسق، وتحول، وأسرار، وتواصل وتفاعل تأملي عميق. إنها منهل الروح في مسار التواصل تتشابك فيها عوالم غير محددة، توظيفات شعرية رحبة،تصورات نزيف اللاشعور في قصائد الديوان نلمس كيانية بمصداقيتها وحرارتها، بمعانيها وشحناتها، بمغادراتها ومقارباتها. في كل الأحوال هناك نمطية نظامية تنساب فيها قصائده، تشع وتتفجر فيها أسئلة تتأتى من تناغمات متآلفة وشبكية :
الأرض تحتضن في أحشائها مهجة النور
تتلقى قطرات الندى والغيوث في صدر الجلد
أيتها الأرض،
وجهك قطعة من شرائح مطر البركات
بذارك من برارة النجوم البعيدة
الأرض تخبئ في أوداجها منازل الظلمة..
هذا النص يقف على جدلية تودعك بالتفاتة إلى دلالاتها، حيث مبدأ الوحدة العضوية طبقاً لتناغمية الإرادة التي إليها المرد.
الأرض تحضن في أحشائها مهجة النور أو ( الأرض تخبئ في أوداجها منازل الظلمة
ولهذا فالأب سعيد يلم بهذا المسار، وبعفوية، وإيمانية تعمق الصورة،وتجعله نواة لا مداراً.
في قصيدة التراب نجد القدرة البارعة على استيعاب الدفعات الشعورية المتعددة الدلالات والمعاني،وفق مرونة تشيع فيها الظاهرة الفنية التي تندرج في أتونها كامل المخيلة،والهواجس،والتلهف. إن تنامي أدوات الحكمة في أبدية السر،هو عنصر التفريغ الذي يشيع طابع إشباع النفس، وتجلياتها بطريقة فنية تؤشر ترابطاً متجانساً متعمقاً في إطار وعي وباطن الشاعر،ولهذا نجد المنحى الفلسفي :
تراب يعانق البحر
ويلوح لبيارق قوافل سفنه وبواخره
يحرر أعصابنا من شوكة الجسد
وسياق الحكمة الأزلية:
تراب أنجب أباه ونظم تاريخ عشائره
تراب في قصور الملوك
يستريح منجل الحصاد على تراب القمح .
ثم الوحدة الأساسية لكنه عملية الخلق والوعي واضاءاتها المرتبطة برؤية،وافق، وعمق الاختيار :
( تحسس حده التراب
وسادته من تراب
لحافة من تراب
عظامه من تراب ).
وتأتي رائعته المفتوحة في أسفار اللاهوت، ومحطاته الرسالية عبر خطابات وأمكنة، وعبر تناغمات وامتدادات في مسارات روحية رحبة،بتجليات ومناشدات، لتشكل ديوانه الثاني في سلسلة إصداراته الشعرية. فمن صفاء اليقين،ويقين الصفاء،وعبر صوفية مسيحية وينابيع لاهوتية،تكون مقاربات الأمكنة والرموز أسفاراً متواصلة في مسالك المحبة،تبقي على الحقائق في تحليقات عميقة طليقة في سموها الروحي :
( سيأتي في ساعة بلا ظنون )
وكذلك
( سيأتي صاحب الزمان في اللحظة البكر
في هبوب النسيم على الرعشة الجفون ).
في هذه القصيدة- الديوان، تتكشف الصور، وتتداخل، وتتعدد الأبعاد، وقدوم الرمز(صاحب الزمان) معطى إيماني حوله الشاعر إلى عناصر وهاجة شعرية،أكسبت تجربته أبعادا اتسمت بالخصوصية، وكانت لها هوية:
(سيأتي صاحب الزمان في اللحظة البكر)
في هبوب النسيم على رعشة الجفون.
سيأتي بعد أن يستنزف من أصابعه الخمسة رعشة الأشواق
سيقول لهذه الجحافل المنتظرة،
عمموا هاماتكم بألوان من قوس قزح،
وادخلوا في سجف السنين ثانية
لينام الوقت محنطاً في أوداجكم الوردية ).
(3)
في قصائده الأب الشاعر انسيابية،وعفوية تشير إلى دفقات سريالية الملامح، تسقطها أحلامه، ورؤياه، في خضم موجات الوجود والحكمة. إن الانفعالات،التراتيل،الطبيعة والغناء،الوجود والفضاءات الرحبة، تنبع من أحاسيسه لتنساب في شعره بأبهى رحلة تغرق في الأمكنة والأزمنة بمقارباتها وتواصلانها. هذه النصوص من مجاميعه الثلاث رحلة في أسفار اليقين.
1-الموت واللغة/من ديوان (الموت واللغة)
في سطح لساني عرق أخطر
ينز على بوابة مخي
لغة الإشارة والضحك والنحيب والرموز
أكنت ذات يوم إلها؟قذى؟صخرة؟!
بلى كنت تراباً
أدثر رأسي بالموت واللغة
ننشد في هيكل الكلس
تتمطى اللغة في مركبات القواميس
الشفرة الغامضة غامضة!..
2- استسلام/من ديوان (الموت واللغة)
سيبح الموت ُ أصابعي
انفصلت الروح عن الصدأ
من يلمس الموت؟...
حكمتي أن أرقد، أنام، أنسى القيامة الميلاد
أبيع في سوق النخاسة ذاكري وصداي وقميصي.
عشيرتي تبكي … هل في أفريقيا فردوس؟!!..
3- من قصيدة( ويأتي صاحب الزمان )
سيأتي صاحب الزمان في اللحظة البكر
في هبوب النسيم على رعشة الجفون
سيأتي بعد أن يستنزف
من أصابعه الخمسة رعشة الأشواق
سيقول لهذه الجحافل المنتظرة
عمموا هاماتكم بألوان من قوس قزح
وادخلوا في سجف السنين ثانية
لينام الوقت محنطاً في أوداجكم الوردية..
ويبقى البحر ثانية.وقد كُبلت أمواجه الدهرية لأيام وسنين،
وعندما يتحول الإنسان في كل مكان إلى رقيم مطلسم
يأتي صاحب الزمان على حافة الحفر البابلية..
عادة في الصباح الوليد يقرأ قصائده
وفي المساء يوقع على قيثارته
ذات الأوتار العشرة مزاميره الرقيقة..
(2)
موناليزا حبيبتي
للأديب محمد خورشيد قصاب أوغلو
مشاهد تعزف على الذات عشقاً
محمد خورشيد قصاب أوغلو في قصائده التركمانية موناليزا حبيبتي يحب، ويرتمي ويتغنى في زمن يكون الترنم فيه مشهدا يعزف ويدور على الذات، يقيم فيه عبر تقرير واختيار، وتألف ونشوة وأسرار.بل يعانق بطقوس هي صنو الحياة، قوامها المعاناة، والاستعادة، والفيض المنساب من البراءة :
في كل ليلة
تبقى عيوني معلقة بالأفق
إلى أن يطرد ضياء الشمس
بحور الظلام
وستعيش في مخيلتي
حكايات وحكايات
أكثر من حكايا
ألف ليلة وليلة (1)
وهو اذ يبث حنينه الهلع، وفرحه البريء، عبر عفوية وصدق، تتقاطع مع كل التعقيدات، فكأنما يحفر وجده النفسي. حيث ينتشي بألق سعادته فيها، وتستحيل الصور إلى وجدانيات تتغنى بأية العذوبة المبذولة في الحب من خلال انسجام مع نفس الشاعر، وبلا انفصام بينهما :
والحب يتأرجح بيننا
مرة أقول ابتعد وأخرى أقول اقترب
وبين البعد والقرب
تضيع الأيام (2)
انه ينشد الآلام التي لا تخمد أنفاسها، لتبقى من استيقاظها عطرا ينهال من الداخل، وتوحدا له مظاهره وسماته ، تلتمس فيه تجربة إنسانية صافية، مفتوحة الكوى ، وليست تشبيهية أو افتراضية :
مثل كل الليالي
ستمضي هذه الليلة
وأنا مفعم بالانفعالات
دون أن تحمل الرياح
صوبي..
نفحة من طيبك
ونتفا من أخبارك
والشاعر يعود إلى بدايات، يتحرى فيها عن أحوال تخشع ، وأجراس تقرع، وطمأنينة تتسع، فهو المتأمل الصاعد من الأعماق، مخضباً بالأمل والألم ، بالحنين والندم ، بالمناجاة وقبول أوراق الحياة :
عيناك
زرعتا الآمال في قلبي
و شفاهك العذبة
تود الترنم بلحن شجي
كلماتك أعذب من السمفونيات
سيمفونيات بيتهوفن وجايكوفسكي
وشوبان
وصوتك ترنيمة هزار
ووجهك مثل القمر (4)
عراهُ العذاب في سوائر لا تجد فيها إلا ضياعا ً في مفازات الهواجس، ومواسم اللوعة المستقاة من بيئتها،وذكرياتها حتى يستحيل إلى ما يماثل الوشم ، والصورة ، واللون :
مع كل صباح سأدخل إلى نهارك
أحاول أن أضئ ساعاته
وأن أخد لعينيك
معنى الود والتضحية
والإخلاص
التي
ما عاشها
يوم وجودك (5)
وحينما يطبق الليل ، ويرخي جدرانه، تبقى إشراقة الفداء بهجة يسري نسغها في عروقه بلا تردد أو صمت أو انقطاع فالقضية وهمومها، عذاباتها وتحولاتها ، طهارتها وضوءها، كل منها على أوتار المبادئ تنشد ، ولا تخمد :
احبك مثل الخبز والملح
احبك
مثل حبي للأغاني
والخوريات
احبك..مثل حبي للعراق
احبك مثلما أحب كركوك
وبغداد.. وكل ذرة من تراب الوطن
احبك مثل كلمات المحبين .. والشعراء (6)
هو يولج في طبقات العشق، متناولاً أراجيح صوره ، وإطلالات دون فيها سيول انفعالاته المخضبة بالصدق والممهورة به، تفيض من الوجدان والإنسان :
هربت من وداعك
لأنني عرفت
إن حبك لي
بالنسبة لحبي لك
ليس حبا (7)
انه يتغنى ،وما يؤثر فيه هو هذه الطقوس الجارية من ينبوع القلب، الذي ينجي ،ويطلق للصفاء عنانه ، وللصدق معانيه ، وللألفة مغزاها. فهو يبصر ويتحرر، يتكلم ويتألم ، يستطع ويقتنع ، يحدد ولا يتبدد، في حوارية الواقع - الوجدان ، الواقع الأمل :
منذ أمد من الأعماق كلمة
منذ أمد بعيد
لم تغب عن عيوني عيناك
أنت الصفاء..في الليالي
أنت نهر الحياة
وحلم والأحلام
و يوم والأيام
أنت حبيبتي أنت
أنا حبيبك أنا (8)
تلك موجات قائمة بذاتها، تنهل من سياق حواراتها، ومن لغزها وسحرها ،من كنه العاشق والمعشوق، من نداءات المحب ومخاطبات المحبوب .إن الشاعر محمد خورشيد إنما يعبر عن معنى الحقيقة والسعادة، وما يرقد فيها من إخلاص، و وجدانية ، وأناشيد فرح تنبع من تجربة حياتية و رؤيا عاشقة.
الهوامش
(1)موناليزا حبيبتي ص11
(2) موناليزا حبيبتي ص14
(3) موناليزا حبيبتي ص16
(4) موناليزا حبيبتي ص19
(5) موناليزا حبيبتي ص24
(6) موناليزا حبيبتي ص12
(7) موناليزا حبيبتي ص25
(8) موناليزا حبيبتي ص28
في كل ليلة
تبقى عيوني معلقة بالأفق
إلى أن يطرد ضياء الشمس
بحور الظلام
وستعيش في مخيلتي
حكايات وحكايات
أكثر من حكايا
ألف ليلة وليلة (1)
وهو اذ يبث حنينه الهلع، وفرحه البريء، عبر عفوية وصدق، تتقاطع مع كل التعقيدات، فكأنما يحفر وجده النفسي. حيث ينتشي بألق سعادته فيها، وتستحيل الصور إلى وجدانيات تتغنى بأية العذوبة المبذولة في الحب من خلال انسجام مع نفس الشاعر، وبلا انفصام بينهما :
والحب يتأرجح بيننا
مرة أقول ابتعد وأخرى أقول اقترب
وبين البعد والقرب
تضيع الأيام (2)
انه ينشد الآلام التي لا تخمد أنفاسها، لتبقى من استيقاظها عطرا ينهال من الداخل، وتوحدا له مظاهره وسماته ، تلتمس فيه تجربة إنسانية صافية، مفتوحة الكوى ، وليست تشبيهية أو افتراضية :
مثل كل الليالي
ستمضي هذه الليلة
وأنا مفعم بالانفعالات
دون أن تحمل الرياح
صوبي..
نفحة من طيبك
ونتفا من أخبارك
والشاعر يعود إلى بدايات، يتحرى فيها عن أحوال تخشع ، وأجراس تقرع، وطمأنينة تتسع، فهو المتأمل الصاعد من الأعماق، مخضباً بالأمل والألم ، بالحنين والندم ، بالمناجاة وقبول أوراق الحياة :
عيناك
زرعتا الآمال في قلبي
و شفاهك العذبة
تود الترنم بلحن شجي
كلماتك أعذب من السمفونيات
سيمفونيات بيتهوفن وجايكوفسكي
وشوبان
وصوتك ترنيمة هزار
ووجهك مثل القمر (4)
عراهُ العذاب في سوائر لا تجد فيها إلا ضياعا ً في مفازات الهواجس، ومواسم اللوعة المستقاة من بيئتها،وذكرياتها حتى يستحيل إلى ما يماثل الوشم ، والصورة ، واللون :
مع كل صباح سأدخل إلى نهارك
أحاول أن أضئ ساعاته
وأن أخد لعينيك
معنى الود والتضحية
والإخلاص
التي
ما عاشها
يوم وجودك (5)
وحينما يطبق الليل ، ويرخي جدرانه، تبقى إشراقة الفداء بهجة يسري نسغها في عروقه بلا تردد أو صمت أو انقطاع فالقضية وهمومها، عذاباتها وتحولاتها ، طهارتها وضوءها، كل منها على أوتار المبادئ تنشد ، ولا تخمد :
احبك مثل الخبز والملح
احبك
مثل حبي للأغاني
والخوريات
احبك..مثل حبي للعراق
احبك مثلما أحب كركوك
وبغداد.. وكل ذرة من تراب الوطن
احبك مثل كلمات المحبين .. والشعراء (6)
هو يولج في طبقات العشق، متناولاً أراجيح صوره ، وإطلالات دون فيها سيول انفعالاته المخضبة بالصدق والممهورة به، تفيض من الوجدان والإنسان :
هربت من وداعك
لأنني عرفت
إن حبك لي
بالنسبة لحبي لك
ليس حبا (7)
انه يتغنى ،وما يؤثر فيه هو هذه الطقوس الجارية من ينبوع القلب، الذي ينجي ،ويطلق للصفاء عنانه ، وللصدق معانيه ، وللألفة مغزاها. فهو يبصر ويتحرر، يتكلم ويتألم ، يستطع ويقتنع ، يحدد ولا يتبدد، في حوارية الواقع - الوجدان ، الواقع الأمل :
منذ أمد من الأعماق كلمة
منذ أمد بعيد
لم تغب عن عيوني عيناك
أنت الصفاء..في الليالي
أنت نهر الحياة
وحلم والأحلام
و يوم والأيام
أنت حبيبتي أنت
أنا حبيبك أنا (8)
تلك موجات قائمة بذاتها، تنهل من سياق حواراتها، ومن لغزها وسحرها ،من كنه العاشق والمعشوق، من نداءات المحب ومخاطبات المحبوب .إن الشاعر محمد خورشيد إنما يعبر عن معنى الحقيقة والسعادة، وما يرقد فيها من إخلاص، و وجدانية ، وأناشيد فرح تنبع من تجربة حياتية و رؤيا عاشقة.
الهوامش
(1)موناليزا حبيبتي ص11
(2) موناليزا حبيبتي ص14
(3) موناليزا حبيبتي ص16
(4) موناليزا حبيبتي ص19
(5) موناليزا حبيبتي ص24
(6) موناليزا حبيبتي ص12
(7) موناليزا حبيبتي ص25
(8) موناليزا حبيبتي ص28
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق