2009/04/05

سوأي بنت آرو


قصة : قاسم فنجان

ها أنذا موشك على الانصهار من جديد في بوتقة حب خرافية ، سأمتزج بها حتماً وستصليني نار الجن أخيراًً بعشق ملتهب. آه لو تعبر تلك الماجنة الشرسة من أحلامي ، آه لو تعبر ، آه !
عبرتُ الى قاع الحلم واستحال خيالي البكر إلى ماخور لمجون الجان المجنون ، وقع ذلك في لجة النوم حينما أسرت لي شفتاها الناضجتان عن سر اللذة ، حدثتني آنذاك عن عالم النار وأشارت ملوحةً بجسدها الدخاني الى الجهات ، لم تكن ثمة جهة تشير إليها ، كانت الجهات تتعانق فيما بينها وتصب بانسياب رقيق فيها .
أدركت ذلك وأسلمت أمري واتجهت بكليتي إليها ، غصت عميقاً في لذة كينونتي الجديدة وتذوقت في أقصى أغوارها النائية ، معنى الشبق الشيطاني وقلت :
إنه ثراءٌ روحي أو ثراء روحها القادمة من أعماق الغيب ، جاءت لتدك بهوادة صروح اليأس التي تملكتني منذ لا أعلم .
كانت روحها السابتة في الظلام ، تسألني انتشالها من رماد الانتظار ، ترسل شفراتها السرية عبر وصيتها المزدانة بالطلاسم المنفوخة ، أفقؤها فيسيل العشق ملطخاً أحلامي بالنزيف ، نزيف متسربل بفوحان تتسلل عبره بذرة العشق المستحيلة الى قلبي فيضوع العقل برائحة الحرام ..
حرام إن ما أفعله حرام .. يقول عقلــــي
حلال إن ما أفعله حلال .. يقول قلبـــي
سأهرب بها فقد تزاوجت الأمكنة المعلومة بالأمكنة المجهولة أمام ناظريَّ و استحالت الى عالم آخر، عالم تغادر فيه الممسوسة عالمها و تحط بهيئة آدمية فاتنة وتقول :
هيتَ لك .
لكننا في مقبرة !
أي مقبرة ! ألا ترى الوهم ؟
أنظر في الوهم وأراها تأمر المقبرة وتقول لها كـوني غابة حمراء ، تتحول المقبرة بأمرها الى غابة حمراء وتفيض حمرتها بغزارة في المكان وتتحول المقابر فجأة الى أشجار والشواهد الى ورود.
ياللجمال ! إنني احلم ؟
لم تر الجمال بعد ، ضمني وسترى الكمال بعينه .
أضمها الى صدري بقوة وأشم ضوع جسدها والطبيعة معاً ، أذوب في لجة هذا السحر الآسر وأشاهدها تنزع عن جسدها الكثير من الأصفاد النارية ، أصغي لنباح عذريتها يدوَّي مسعوراً وأطلق الفوضى ليدي ّ لتعبث بمجمرة المشهد المستعر، تلسعني شواظ الرائحة الغريبة لسعة تدفعني للسؤال : من أنت؟
سوأى . من سوأى؟
الجميلة السمراء ، المخضبة أكفها بدم العشاق القاني ، راقصة الجان وسيدة نسائهم الساحرة، المحفوفة بطوق الشبق الملعون، مالكة الوصايا السرية وأسى القلب العاشق ، سَوْأى بنت آرو*..
زلزلني الاسم الساحر فلذتُ بوجودي الذي كان يتسع بالفراغ ، وجدتني عار قبالتها مسجى على بهاء كثيف ، أسال بنظرات حائرة عما يجري في حياتي وعما يدور في حياتها .
مصيرك.. قالت!
أنا !
أجل .. أنت مصيري .
انفلت من إسار لحظتي العصية ، احتضنت جسدها المدهون بالنعاس فانفلتت تعدو في حيز اللاممكن ، طاردتها حتى استوقفتني أصوات كانت تتقاطع في مخيلتي الهائجة ، أصوات مرعبة لشياطين وأخرى حانية لملائكة تغلي في راسي فأصيح :
يا سَوْأى ؟
تتهادى من أقاصيها عليَّ وأهمي عليها منكفئاً كالمخمور، تشدني ذراعاها بحنان فارتعش وتتناهى لي َّهمهمات شبقها الصارخ ، تمسني نداوة عشقها في الصميم فأغمض عيني وأفتحها على لغط حاد ينهال من الأعلى ، أرى جاناً يتحلقون بغضب حولي بأعقاب أقدامهم الزرقاء يحاولون فك اشتباكي بها ، يركلونني بقسوة فتفتحُ سَوأى سُؤتها لانساب كالأفعى في جوفها الدافئ ، انساب وأفتش في هالة باطنها الوردية عمن يرشدني للحال، أرى مملكتها المترامية تضيق أمامي بترانيم آسية وأنين موجع ، أصغي لنشيج الغرام المخنوق فتلسعني تأوهات حارقة ، ابكي فتفتح صندوقها المكنون لأرى قلبها المجروح ينتحب قائلاَ..
هل ترى؟
إنني أرى!
ماذا ترى؟
موتك يا سوأى مكتوب على رقائق القلب بحبر النار!
وبعد ؟
انه معلق كالمصير على جدران روحي الهائمة !
تهجاه أذن؟ لملمته بحنو وتهجأته بدقة ، كانت شفراته السرية تخرق العقل وتشير الى مالا تدركه البصيرة المهترئة، اعجز عن قراءته فأجمع الترانيم بوجع وأنشجها بوجع أشد حتى تكتمل في النهاية الوصية العجيبة، وصية توحي مضامينها المجهولة بالسر الغريب الذي جاء على الورقة هكذا :
!!!!!!!!!!!.....*.......؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ما هذا الطلسم العجيب ؟
انه سفرك يا مجنون .
حملتني الممسوسة بي في داخلها سراً ، ماجت بيَّ في عوالمها المسحورة ودعتني لأرى من مسام جلدها الشفيف مملكة الجان، أشاهد عن كثب عالمها المزحوم بالأحلام وارى نساء بلدتها العاريات وأطفالها الفاتنين ، أصغي للغو شيوخهم الطيبين وعجائزهم الاطيب ، أنسحر بالطبيعة الخلابة لهم ويسكرني ضوعها الفريد، أنسى عالمي الناشف وأتجاوز عن ذكرياته السوداء ثم أمضي مزهواً في باطنها الشاسع ملتذاً بسفري الجديد، ارقص بجنون من شدة الفرح وغبطة السرور فتلجمني مواعظها وتكبحني بالعهد : إياك أن تفضح السر ؟
ما السر يا سوأى؟
سرنا العجيب وسفرنا الأعجب .
منحني سر حبها السطوة على حياتها حتى صارت مع تقادم زمنها اللامحسوب مطية سهلة لي ،تنقاد لرغباتي منصاعة كالعمياء لقلبها الذي يديره قلبي ، أغار عليها فأأمرها بالكف عن الرقص ،تكف ُ وينثار الجان لعزوف راقصتهم الأولى عن الرقص ،يشرعون بممارسات قاسية ويرسلون مردتهم وعلى ظهورهم سلال مملؤة بالدموع ، يسفحونها أمامها فتسيل بألم وتمس قلبي فأبكي وتبكي لبكائي،يستمع العفاريت لبكائها المر فيأتون وعلى رؤوسهم سلال الرجاء الثقيلة ،يدلقونها فتنهمر دموع الجان بغزارةً وتُغرق جسدها الرقيق بالطوفان المر، تغرق سَوْأى وأستمع من جوفها لصوت عذابها يتردد عالياً..
العهد ! انقض العهد من الخوف وأحاول الانفلات من طوق جسدها الرحيم ،أرتطم بأبواب مشاعرها الموصدة وتلطمني أمواج لوعاتها العاتية ، أتراجع مندحراً الى قلبها المحتضر، أعصره بكلتا يديَّ فتصرخ من الحب .. آه ..
يدويّ تأوهها الموجع صارخاً في فضاء الجان وتمتصه أفئدة الجنيات الظامئة ،يربكهنّ عشقها المخبول ويتسلل أساه الثقيل الى قلوبهن جميعاً، يبكين َّ عليه ويتآزرنَّ معها وينفصم عالم الجن الواحد، يهجرن الجنيات عالمهن َّغير آسفات الى عوالم الأنس العاشقة ، مربكات النظام الآدمي بفوضى غرامية ساحقة فوضى تحفز الرجال الإنسيين على الهيام وتدفعهم ليغادروا غير نادمين أحضان نسائهم الآمنة متوجهين الى المقابر والمزابل، حيث تكمن لهم هناك إناث الجن عاريات يشبعنَّ بسخاء شبقهنَّ اللامحدود..
حلت لعنة السوأى على أهلها وانتبه الملك للكارثة والعار وانقلاب الحال المخزي ،استدعى أمراء الشياطين وأمرهم بقذف بدنها العائم في طوفان الدمع بالرقى والتمائم ، أمر جبابرة العفاريت بمحاصرتها وأوعز لطغاة المردة بخنقها، خنقوها فتجلى لهم السر من باطنها واضحاً كالروح .
كان السر المكنون في قلبها أنا ، أنا الذي أطالع الفوضى بأسى واستشعر النهاية بخوف ، أرنو من قيعانها للأكف العملاقة وهي تقبض بوحشية على أنوار جسدها المتوهج ، أراها تدك أسوار مشاعرها الصامدة وتحاول الوصول الى قلبها الحصين تصمد سَوْأى إزاء سيل البطش العارم وتبقي على عهدها صائتةً :- أُحبكَ .
يزعزع صبرها بأس الجان العتيد فيستنجدون بملكهم الغاضب يغضب الملك و يأمر ملائكة الجان بانتزاع روحها المكابرة يتفقون على موتها و يتقدمون صوبها جميعاً ، يتحلقون حول روحها و يشهرون من أجرام الغيب شهب الماء الجامدة يسوطونها بها فتتداعى بوجع شديد ، تنكسر سوأى و تهوي منكفئة على قلبها ، يوجعني انكفاؤها المؤلم فأصرخ .. آه .
تسمعني و تضم جناحي قلبها بحنو على قلبي، تطلقني من جسدها المندحر عالياً فأفر بقلبينا الخائفين من الموت صوب السماوات، أصل و أطالع من هناك احتضارها الثقيل، أرى جسدها المشتعل بالعشق ينطفئ بالتدريج ويستحيل الى شواظ عاشق، تستنشقه رئة الهواء و تزفره بقوة لتحل اللعنة على الجان ..

(*) وهمٌ أعلن لي عن نفسه بهذا الاسم في أحد كوابيسي الليلية.

ليست هناك تعليقات: