2009/04/05

قوتادكو بيليك د. جواد هيئت



ترجمة : جلال زنكَابادي

كتاب (قوتادكو بيليكَـ) (*) ألّفه يوسف أولوغ الحاجب الخاص كمنظومة شعرية سنة (1069م/ 448هـ) وأهداه إلى السلطان القراخاني بغرا خان؛ فحصل بهذاالأثر القيّم على لقب(حاجب خاص) الذي يُعَد من أرقى الألقاب عصرذاك. يعني إسم (قوتاد قوبيليكَـ) (علم السعادة) أو العلم الذي يجلب السعادة( وكذلك يعني ضمناً الإقتدار، أي: علم الإقتدار والسياسة) ولئن إختار المؤلف موضوع كتابه هذا وعُني بمحتواه؛ فقد عُدّ موضوعه من الحكمة والعِبَر، وصيغ بأسلوب المناظرة والحوار، كما إستشهد المؤلّف بأقوال العظماء والكلمات القصار(الأقوال المأثورة/ج)؛ لإثبات الأفكار والآراء المتضمنة للدروس والعبر، فيما يتعلق بشتى المناحي الاجتماعية.
هذا الأثر منظوم في شكل المثنوي على بحر المتقارب المثمّن المقصور؛ وبذلك يشبه (شاهنامه) و(بندنامه) الفارسيين، ويسمّيه الإيرانيّون (شاهنامه التركي). ويبلغ مجموع أبيات قوتادكو بيليك (6645 بيتاً) كما ألحق المؤلف بالمتن ثلاث قصائد(124بيتاً) و(173 دوبيتاً= رباعيّة) بشكل الشعر التركي القديم، أي(باياتي) ولذا يٌعَد هذا الأثر أول كتاب شعر تركي بعد الإسلام، بل من مداميك الأدب التركي المنظوم .
لايٌعرف شيء عن مؤلف قوتادكو بيليكَـ ماعدا ما جاء في مقدمة الكتاب، والتي كتبت بعد قرابة القرن من تأليفه. وفحواها أن يوسف كان من أهل بلاساغون، وأكمل تأليف كتابه في كاشغر، ثم قدّمه هدية إلى تابقاج بغرا قره خان. ويتبيّن من مطالعة قوتادكو بيليكَـ أن مؤلفه كان ذا ثقافة واسعة مرموقة، بالإضافة إلى الأدب في علوم الفلك والكيمياء والجغرافيا والرياضيات، وهو من تلاميذ إبن سينا حسب قول بعض العلماء. وكان مطلعاً على إطلاعاً كاملاً على لغات وآداب الشرق(الإيرانية والعربية) إلى حدّ التأثر بها تأثراً بيّناً.
لغة شاعرنا تركية بسيطة، وأدبيّة في الوقت نفسه، وليس في الكتاب كله أكثر من(120 كلمة عربيّة وفارسية) ثمانون بالمائة منها عربيّة والبقيّة فارسية، وهي على الأكثر إصطلاحات دينية وإداريّة حكومية.
يبتديء كتاب قوتادكو بيليكَـ بمناجاة الباري تعالى، ثم امتداح النبيّ الأكرم والخلفاء الراشدين، ثم وصف الربيع ومدح بغرا خان، ثم يتحدث عن النجوم السبعة والأبراج الإثني عشر والعلم والعقل واللغة، ومن ثمّ يدخل إلى صلب الموضوع ، حيث تبدأ المناظرة بين أربع شخصيّات، كل واحدة منها تمثل حقيقة أو واقعاً ما :
1- كون توغدي(كَون دوغدي= طلوع الشمس) طريق الحق والعدل
2- آي تولدي(آي دولدي = البدر) السعادة، الجاه والطالع الحسن .
3- اؤدولموش: العقل والمنطق
4- اودقورموش: مبيّن العاقبة.
وكانت هذه الأسماء في الوقت نفسه لأربعة أبطال قدامى من الأتراك.
يتناقش (كّون دوغدي) الملك العادل الحكيم والفاضل مع آي دوغدي وزيره العالم الواعي حول المسائل الإجتماعية وإدارة الدولة وعن السعادة والعدالة وجدوى الأدب. ويتجلّى عبر الحوار أن الملك يمثل العدالة والوزير يمثل السعادة، لكنما مثلما الحال دائماً عمر السعادة قصير، فسرعان ما يموت الوزير، فينصب السلطان مكانه اؤدولموش نجل الوزير الذي ربّاه أبوه. ويستأنف معه الحوار حول السياسة والعلم والعدالة والشهامة والذوق والرغبات الإنسانية؛ حتى يستنتجا أن حاشية الملك تتبعه، فإذا لم يكن الملك سيئاً؛ لاتجمع الحاشية حواليها السيئين. يقول الملك لاؤدولموش :
" لقد غدوت سبب استتباب العدالة والسعادة في البلاد ، والدنيا غير ثابتة، فإن فقدتك؛ ماذا سأعمل؟ "
وعندها يجيء اؤدولموش بأحد ذويه إلى الملك واسمه اودقورموش، وهوشخص فاضل، نزيه، زاهد في الدنيا ومستغرق في التفكير في الآخرة؛ ولذا فهو غير مستعد للتواجد في حضرة السلطان؛ فيراسله السلطان ويستشيره، ويقوم بدوره بإعلام السلطان بواجباته الوطنية والوجدانية والإنسانية إزاء مواطنيه وبلاده؛ لكي يفوز بالدنيا والآخرة.
يتجلّى في هذا الكتاب المستوى المرموق لثقافة وطراز تفكير شريحة مثقفي المجتمع القراخاني. وعليه فإن قوتاد قوبيليكَـ مع كونه من عيون الشعر والأدب، يُعدّ أيضاً كتاباً للعلوم السياسية والإدارية والإجتماعية.
هنالك ثلاث نسخ قديمة مخطوطة لقوتاد قوبيليكَـ : الأولى نسخة فينّا التي طُبعت بعناية رادلوف، وهذه النسخة مدوّنة بالخط الأويغوري في هرات عام(1439م/ 818هـ) والنسخة الثانية موجودة في المكتبة الخديوية بالقاهرة، وهي مدوّنة بالخط العربي، أمّا النسخة الثالثة، فهي نسخة فرغانه التي نشرتها (TDK = المجمع اللغوي التركي في استانبول سنة(1932) ثم ترجمها رشيد رحمتي آرات إلى اللغة التركيّة ونشرت في 1947 و1959.
يُعد قوتادكو بيليكَـ في المنظور الشعري أثراً ممتازاً، من حيث توظيف فن البديع وقواعد الشعر، ففضلاً عن القوافي الكلاسيكية، إستفاد الشاعر من أنواع الآليتراسيون (تشابه الحروف الصائتة في بدايات المقاطع أو الكلمات) ومن الآسونانس (تشابه أو تكرار أصوات نهايات الكلمات) ومن موسيقى الكلمات نفسها أيضاً، وكذلك إستفاد في مواضع التأكيد وتسلسل الأفكار من تكرار كلمات في بدايات المصاريع أو تكرار كلمة آخر مصرع في بداية المصرع الثاني، وهنا سننقل إليكم بضعة أبيات من قوتادكو بيليكَـ :

" كيشى توغدى اؤلدى سؤز و قالدى كؤر
اؤشـى باردى يالنـوق آتى قالـدى كـؤر "
بالتركية الحالية(الآذرية/ج):
كيشى دوغدي اؤلدى سؤزوقالدى كَؤر
اؤزى كَئـتدى يالنيز آدى قـالـدى كَـؤر

- أنظر إلى آدم جاء إلى الدنيا ومضى وكلامه باق
فقد مضى وبقي إسمه فقط
" بايوسا بدوسه ياديلسا تشاوى
ييسه توْوسا ياتسا بو ييلقى تؤرور"
بالتركية الحالية:
زنكَينلشسه، بويوسه، يابيلسا شهرتى
يى ين دويان و ياتان حيوان دير
- إذا صار ثريّاً وعظيماً وشهيراً
كلّ من همّه الأكل والشرب والنوم فهو حيوان.
" بيليكَـ بيرله بكَلر بودون باشلادى
اوكوش بيرله ايل كون ايشين ايشله دى"
بالتركية الحالية:
بيليكَـ ايله بيكًلر ملته باش اولدولار
عقل ايله خلقين ايشنى اداره اتديلر
- بالعلم يصير البيكَات سُراة القوم
وبالعقل يدبّرون شؤون الناس
" تايانما تريكَليكَه توش تكَـ كئتشر
كوونمه قيوى قوتقا قوش تكَـ اوتشار"

بالتركية الحالية :
دايانما ديريليكَه يوخو كيمى كَيجر
كَوونمه بوش سعادته قوش تك اوجشار

- لايتمسّكنَّ قلبك بالحياة فهي تتبدّد كالحلم
ولاتثقنّ بالسعادة التافهة فهي تطير كالطير
" تؤروتتى تيلك تكَـ تؤرو عالميغ
ياروتنى آزوقا كونوكَـ هم آييغ" (**)

بالتركية الحالية :
تورتدى ديله ديكَى تك بوتون عالمى
ياراتدى دنيا ياكَونى هم آيى
- خلق العالم على مرام قلبه
وللدنيا خلق الشمس والقمر

بعد انتشار اللهجة التركيّة المشتركة لآسيا الوسطى بين الأقوام والمراكز الثقافية المختلفة للناطقين بالتركية؛ أحدثت تغيّرات وبالمرور في ثلاثة مراكز وعلى ثلاث مراحل متواصلة، وراحت تظهر ثلاث لهجات أو أشكال للغة التركية مختلفة قليلاً في ما بينها، لاتفرقها عن بعضها البعض حدود واضحة ومشخصة، فضلاً عن تأثير الأعمال المكتوبة في بعضها البعض. ومثلما الوضع عليه الآن لم يكن هنالك تقليد أدبي وحيد؛ فقد كان المؤلفون عصر ذاك يكتبون أعمالهم تحت تأثير خصوصيّات لغة قبيلة ما و الانتساب إلى أحد المراكز الثقافية الثلاثة وهي :
1- مركز كاشغر و اللهجة التركية الكاشغرية : وتسمّى هذه اللهجة أيضاً التركية الشرقية أو الخاقانية.
2- مركز تركستان الغربية أو خوارزم والتركية الخوارزمية: منذ القرن الثاني عشر أصبحت منطقة آلتون أوردو ضمن هذا المركز ولهجتها التركية.
3- التركية الجغتائية: انتشرت هذه اللهجة في مراكز مختلفة في القرن الخامس عشر، وبلغت مستوى مرموقاً بآثار (علي شير نوائي) في القرن نفسه.
الآثار المدوّنة بالتركية الكاشغرية أو الخاقانية شرعت بكتاب قوتادكو بيليكَـ وأهمها لاحقاً :
1- عتبة الحقائق/ تأليف: أديب احمد يوكنةكي: منظومة شعرية تتناول فضيلة التديّن وعلم الأخلاق.
2- ديوان الحكمة لأحمد يسوي : شعر ديني وأخلاقي ممزوج بالتصوّف.
3- قصص الأنبياء رابغوزي : يتناول مناقب الأنبياء، وهو لناصر رابغوزي، الذي ألّفه في سنة(1310م/589هـ)

* أي الحكمة التي تمنح السعادة
** آزوقا : Azhuqa (ج. ز)

المصدر :
تاريخ زبان و لهجه هاى تركى
دوكتور جواد هيئت

نشر نو- تهران 1365ش

ليست هناك تعليقات: