نسرين أربيل و أُلوهة الأزرق
كتابة : أنور حسن موسى
رغم وجود كم هائل من الشعر ورغم كثرة الأسماء الشعرية في خارطة الشعر التركماني منذ الخمسينات إلا أنّ شعراء بعدد الأصابع هم من وضعوا اللمسات الأخيرة للشعر الجديد، وأكسبوه معنى الحداثة، وأمدوه بدماء جديدة أنقذته من قيم ذوقية رديئة أنتجتها عقول شعرية يمكن نعتها بالـ(سلفية)..
الشاعرة نسرين أربيل من هؤلاء القلة الذين أنضجت تجاربهم الشعرية شعرنا الجديد ورسخته في أفق الذهن التركماني، وإنّ ( وعيهم للأشياء، وأصالة تجاربهم جعلتهم يعلنون بثقة عن موت تلك الوظيفة التزيينية المباشرة للغة).
إن لوعي الشاعرة نسرين أربيل أثر عظيم في إغناء الشعر التركماني من خلال المغامرة المستمرة في تجاوز القديم بلغة معبرة لا تنحصر داخل إطار من البرمجة والتقنين جسدت ( تجربة الإنسان الممزق الجواب في عالم جاحد تجسيداً إنسانياً منح المغامرة شكلها الوجودي).
تنتظم قصائد الشاعرة في سلكين متشابكين هما : رؤية ذاتية و وحدة موضوعية تطعمها بصور عجيبة مدهشة قريبة من عالم الحلم الغريب والرؤى السريالية.. تلك الصور والرؤى أثرَت الشعر التركماني وأحدثت تغييرات عميقة في إيقاعاتها..
عاشت الشاعرة محنة الأوضاع المتأزمة ، وشاهدت أحداثها الدامية عن كثب وتركت مجزرة كركوك عام 1959 أثراً عميقاً في نفسها، فسارت في سبيلها ضائعة ممزقة إلى أن اهتدت إلى أسلوب جديد من العطاء الفكري والغني فأسست مدرسة سار على نهجها معظم شعراء الحداثة في السبعينات والثمانينات. كانت الشاعرة دائمة البحث عن أدوات أكثر تجديدا وعمقاً للتعبير عن خلجاتها فتخلصت ببراعة عن اللغة العامية والخطاب المباشر، واهتدت الى صور شعرية زاخرة بإيقاعات موسيقية جديدة أكثر تنوعاً ومعاصرةً، وأخذت تصور حالات (العشق الحسي) كلما ازدادت حدةً ازدادت توقدا وانغماساً في صوفية قلّ نظيرها في الشعر التركماني.. لقد بلغت المآسي بها مدىً أبعد حين زالت الفواصل (بين الواقع والحلم، بين الحقيقة المريرة والأماني المجهضة)، فصار الألم شديداً لا يطاق فلجأت إلى الرمز لتحاشي الوقوع في مصيدة الانتحار أو الانزلاق إلى هاوية (الرفض و التمرد المطلق) فكان اللون الأزرق هو الرمز الذي حلقت الشاعرة بجناحه الشعري في غابة من القصائد الملونة، أمتعتنا بها من خلال ديوانيها (حلم البحر- المدينتان). وإذا كان الرمز عند غلاة الرمزيين يعني ( منهجاً انهزامياً جديداً يستهدف طمس الوضوح وتأكيد الضبابية) ويستخدم لدى الواقعيين( لإيجاد ظلٍ للحقيقة والواقع) ويعني عند (براوننغ) أداة لتكثيف وتعميق أبعاد الحوار الداخلي ضمن القصيدة الواحدة، وعند المقلدين من الشعراء الشباب (صورة شعرية تمتلك امتدادات صادقة إنسانية واجتماعية) وإذا كانت الرمزية كاتجاه تدعو لمثالية صوفية تتيح المجال للشاعر بأن يستغل مساحة واسعة من الحرية الفردية بصدد إلغاء مهمة الشعر الاجتماعية، فهو لدى الشاعرة لم يكن سوى (أداة للتعبير و الاسترجاع و وسيلة لتشديد الاقترانات الماضية والحاضرة) فإذا كانت الشاعرة قد خرجت من ناحية الشكل كلياً من الماضي فهي من ناحية المضمون ظلت عالقة به، ولعل الإبداع الذي تميز به أسلوب الشاعرة هو نتاج هذا التعلق بالماضي، وماضي الشاعرة يعني تاريخها وليس من حقنا أن نطالبها بالخروج من التاريخ، وتاريخ الشاعرة هو تاريخ بني قومها التركمان على مرّ العصور.
وإذا كان الماضي لدى السياب (إرثا وكثافة أكثر مما هو ذكرى وشفافية) فإنه لدى الشاعرة كان إرثاً وكثافة وذكرى وشفافية.
الشاعرة نسرين أربيل من هؤلاء القلة الذين أنضجت تجاربهم الشعرية شعرنا الجديد ورسخته في أفق الذهن التركماني، وإنّ ( وعيهم للأشياء، وأصالة تجاربهم جعلتهم يعلنون بثقة عن موت تلك الوظيفة التزيينية المباشرة للغة).
إن لوعي الشاعرة نسرين أربيل أثر عظيم في إغناء الشعر التركماني من خلال المغامرة المستمرة في تجاوز القديم بلغة معبرة لا تنحصر داخل إطار من البرمجة والتقنين جسدت ( تجربة الإنسان الممزق الجواب في عالم جاحد تجسيداً إنسانياً منح المغامرة شكلها الوجودي).
تنتظم قصائد الشاعرة في سلكين متشابكين هما : رؤية ذاتية و وحدة موضوعية تطعمها بصور عجيبة مدهشة قريبة من عالم الحلم الغريب والرؤى السريالية.. تلك الصور والرؤى أثرَت الشعر التركماني وأحدثت تغييرات عميقة في إيقاعاتها..
عاشت الشاعرة محنة الأوضاع المتأزمة ، وشاهدت أحداثها الدامية عن كثب وتركت مجزرة كركوك عام 1959 أثراً عميقاً في نفسها، فسارت في سبيلها ضائعة ممزقة إلى أن اهتدت إلى أسلوب جديد من العطاء الفكري والغني فأسست مدرسة سار على نهجها معظم شعراء الحداثة في السبعينات والثمانينات. كانت الشاعرة دائمة البحث عن أدوات أكثر تجديدا وعمقاً للتعبير عن خلجاتها فتخلصت ببراعة عن اللغة العامية والخطاب المباشر، واهتدت الى صور شعرية زاخرة بإيقاعات موسيقية جديدة أكثر تنوعاً ومعاصرةً، وأخذت تصور حالات (العشق الحسي) كلما ازدادت حدةً ازدادت توقدا وانغماساً في صوفية قلّ نظيرها في الشعر التركماني.. لقد بلغت المآسي بها مدىً أبعد حين زالت الفواصل (بين الواقع والحلم، بين الحقيقة المريرة والأماني المجهضة)، فصار الألم شديداً لا يطاق فلجأت إلى الرمز لتحاشي الوقوع في مصيدة الانتحار أو الانزلاق إلى هاوية (الرفض و التمرد المطلق) فكان اللون الأزرق هو الرمز الذي حلقت الشاعرة بجناحه الشعري في غابة من القصائد الملونة، أمتعتنا بها من خلال ديوانيها (حلم البحر- المدينتان). وإذا كان الرمز عند غلاة الرمزيين يعني ( منهجاً انهزامياً جديداً يستهدف طمس الوضوح وتأكيد الضبابية) ويستخدم لدى الواقعيين( لإيجاد ظلٍ للحقيقة والواقع) ويعني عند (براوننغ) أداة لتكثيف وتعميق أبعاد الحوار الداخلي ضمن القصيدة الواحدة، وعند المقلدين من الشعراء الشباب (صورة شعرية تمتلك امتدادات صادقة إنسانية واجتماعية) وإذا كانت الرمزية كاتجاه تدعو لمثالية صوفية تتيح المجال للشاعر بأن يستغل مساحة واسعة من الحرية الفردية بصدد إلغاء مهمة الشعر الاجتماعية، فهو لدى الشاعرة لم يكن سوى (أداة للتعبير و الاسترجاع و وسيلة لتشديد الاقترانات الماضية والحاضرة) فإذا كانت الشاعرة قد خرجت من ناحية الشكل كلياً من الماضي فهي من ناحية المضمون ظلت عالقة به، ولعل الإبداع الذي تميز به أسلوب الشاعرة هو نتاج هذا التعلق بالماضي، وماضي الشاعرة يعني تاريخها وليس من حقنا أن نطالبها بالخروج من التاريخ، وتاريخ الشاعرة هو تاريخ بني قومها التركمان على مرّ العصور.
وإذا كان الماضي لدى السياب (إرثا وكثافة أكثر مما هو ذكرى وشفافية) فإنه لدى الشاعرة كان إرثاً وكثافة وذكرى وشفافية.
إن تجربة نسرين أربيل ريادة استمد منها الشعر التركماني قوته في إنشاء (وسط تعبيري جديد) فكأن لغة الشعر صارت اللغة المألوفة، بل لغة جديدة .. لقد تغيرت دلالات المفردة التركمانية وظهرت لها أبعاد جديدة غير الأبعاد القاموسية التي طبعت لغة الشعر التركماني في زمانها..إن منطقة سكنى الشاعرة متنوعة فهي تختار السكن في الحاضر واللحظة التاريخية، أو ترتدّ إلى الوراء لتستلقي وسط أحراش الماضي أو تقفز بسرعة الضوء لتسكن في المستقبل، وتؤسس عالماً آخر يتجاوز الماضي والحاضر.. ترى هل كانت الشاعرة تكافح لتحقيق وعيها الجديد في الإنسان والحياة على حدّ تعبير أدونيس؟ أم كانت متيمة بـ (هاجس التواصل مع الآخر)؟
وسط الشاعرة نسرين هو وسط عالمين متناقضين .. عالم ينحسر إلى الوراء، وعالم يتوغل في الآتي..إنه وسط (غبار الأوراق- أجنحة النوارس- الغابات البرية- النوافذ المغسولة بالمطر-قضبان الحديد- أزهار الأقحوان- المدن الزرقاء – الأيادي الزرقاء).
لقد اقتحمت غابة الشعر الجديدة بروح امرأة أوربية ولا غرابة في ذلك فهي قد عاشت فترة وجيزة في ألمانيا تعلمت خلالها لغة ساكنيها، وبعد أن تعلمت الانكليزية تشربت روحها بتقاليد المرأة الأوربية .. كتبت الشعر باللغة الانكليزية فأبدعت فيه حتى إنها حازت على الجائزة الأولى في إحدى المسابقات الشعرية، وتشعبت مصادر ثقافتها الشعرية من خلال مطالعاتها للشعر الغربي إضافة إلى مصادرها السابقة، وتأثرت بشعراء مدرسة (غريبجيلر) التركية التي كان من أهم روادها أورخان ولي ، مليح جودت آنداي ورفعت أوكتاي. فإذا كان (توماس تراهيرت) قد نذر حياته في البحث عن السعادة، وإذا كان (راما كريشنا) قد قضى حياته كلها في البحث عن الله فإن نسرين أربيل وهي تعيش وسط مدينة تتأرجح دوماً بين حياة مضطربة وموت متوقع كل لحظة بحثت عن الأزرق مانحة القوة والحياة والأمان كمعادل موضوعي لتلك الحياة المضطربة التي تفتقد في خضمها كل ما تمنح تلك الامتيازات التي تجعل الحياة ممكنة بل وتجعلها مستحقة.
وإذا كان لوركا قد تغنى بلحية (ويتمان)- التي تملؤها الفراشات – فلقد حقّ علينا أن نتغنى بالموج الأزرق في عيني الشاعرة نسرين الذي يغطي مساحة كبيرة من الكون، فينقل الشاعرة من دائرة العتمة إلى منطقة الضوء الأزرق فنلتقي في قصائدها بالرياح والمواسم والألوان وخاصة (الأزرق والأخضر والوردي) والسيوف الفضية والعصافير والنوارس والأنهار والبحار والابتهالات الزرق والأيادي الزرقاء وحكايات الأسماك.
نسرين أربيل الباحثة عن عصا سحرية تشق البحر ، تستل الأشياء من أصولها ، وتبعث الحياة في الأموات وتجعل الحصى (يؤرق عشباً أخضر) في محاولة منها لإسقاط قوانين فيزياء الأشياء .. لا شئ سوى فيزيائها الخاص، ولا عالم غير عالمها الأزرق والأخضر و الوردي- ألوان التفاؤل والحياة – ولا حب كحبها يتسلق أرجوحة الخيال الملتهب شغفاً بالآتي .. شعور بالغربة يتميز فيه صوت حوافر الخيول القادمة من الماضي السحيق وصليل السيوف التي أسقطت إمبراطوريات وأقامت إمبراطوريات ..
لقد أرادت نسرين الشاعرة أن تخبرنا بأن ( ليس هناك حب للحياة بغير يأس منها) تماماً كما عبّر عنه (كامو) في (الظهر والوجه) فهل يا ترى وصلت نفس الشاعرة إلى لحظة اليأس التام؟ هل خلت نفسها من كل شئ جميل إلا تلك ( الشهوة غير المحدودة إلى الحياة)؟
الألوهة في الكون .. البحر والسماء والشمس التي تغنى بها (فاليري) حلّت محلها ألوهة الأزرق في كيان الشاعرة، والأزرق بالمناسبة اختلف النقاد في دلالاته الشعرية عند الشاعرة نسرين فمنهم من أرجع ذلك الى توق الشاعرة الى الصفاء والنقاء والهدوء في عالم يضج بالقذارة، ومنهم من حار في تفسيره وأنكر حتى على الشاعرة سرّ اختيارها لهذا اللون ، فعده الناقد هاني صاحب حسن في كتابه (أزهار القرنفل) : (عملية تخصّ آلية الخيال ونشاطه) بعد أن اعترف بعدم معرفته لسر اختيار الشاعرة لهذا اللون، وإني أعتقد جازماً بأن الناقد كان يعرف ذلك السّر كما تعرفه الشاعرة ويعرفه القارئ الفطن أيضاً .. فاللون الأزرق رمز قوي يعتز به التركمان منذ الأزل، وهو ملتصق بتأريخهم، وهو لون رايتهم، وما اعتراف الناقد بعدم معرفته سوى عملية تضليل إزاء الرقابة الصارمة آنذاك من قبل السلطة الغاشمة على المطبوعات والمنشورات التركمانية، والدليل على ذلك قول الناقد نفسه في مكان آخر: ( إن نسرين رمزت بالأزرق إلى حيلتها ذلك لما كانت تحيط بهذه الحياة آنذاك من مخاطر و مخاوف تهدد مصير وكيان الشاعرة وكيان أشيائها الأثيرة وأصحابها المقربين) .. أليس هذا الكلام كافياً لتفسير الدلالة القومية للون الأزرق لدى الشاعرة؟ وأغلب الظن أن الناقد قد أشار لهذه النقطة، لكنه فضّل التلميح على التصريح بطريقة ذكية.
وسط الشاعرة نسرين هو وسط عالمين متناقضين .. عالم ينحسر إلى الوراء، وعالم يتوغل في الآتي..إنه وسط (غبار الأوراق- أجنحة النوارس- الغابات البرية- النوافذ المغسولة بالمطر-قضبان الحديد- أزهار الأقحوان- المدن الزرقاء – الأيادي الزرقاء).
لقد اقتحمت غابة الشعر الجديدة بروح امرأة أوربية ولا غرابة في ذلك فهي قد عاشت فترة وجيزة في ألمانيا تعلمت خلالها لغة ساكنيها، وبعد أن تعلمت الانكليزية تشربت روحها بتقاليد المرأة الأوربية .. كتبت الشعر باللغة الانكليزية فأبدعت فيه حتى إنها حازت على الجائزة الأولى في إحدى المسابقات الشعرية، وتشعبت مصادر ثقافتها الشعرية من خلال مطالعاتها للشعر الغربي إضافة إلى مصادرها السابقة، وتأثرت بشعراء مدرسة (غريبجيلر) التركية التي كان من أهم روادها أورخان ولي ، مليح جودت آنداي ورفعت أوكتاي. فإذا كان (توماس تراهيرت) قد نذر حياته في البحث عن السعادة، وإذا كان (راما كريشنا) قد قضى حياته كلها في البحث عن الله فإن نسرين أربيل وهي تعيش وسط مدينة تتأرجح دوماً بين حياة مضطربة وموت متوقع كل لحظة بحثت عن الأزرق مانحة القوة والحياة والأمان كمعادل موضوعي لتلك الحياة المضطربة التي تفتقد في خضمها كل ما تمنح تلك الامتيازات التي تجعل الحياة ممكنة بل وتجعلها مستحقة.
وإذا كان لوركا قد تغنى بلحية (ويتمان)- التي تملؤها الفراشات – فلقد حقّ علينا أن نتغنى بالموج الأزرق في عيني الشاعرة نسرين الذي يغطي مساحة كبيرة من الكون، فينقل الشاعرة من دائرة العتمة إلى منطقة الضوء الأزرق فنلتقي في قصائدها بالرياح والمواسم والألوان وخاصة (الأزرق والأخضر والوردي) والسيوف الفضية والعصافير والنوارس والأنهار والبحار والابتهالات الزرق والأيادي الزرقاء وحكايات الأسماك.
نسرين أربيل الباحثة عن عصا سحرية تشق البحر ، تستل الأشياء من أصولها ، وتبعث الحياة في الأموات وتجعل الحصى (يؤرق عشباً أخضر) في محاولة منها لإسقاط قوانين فيزياء الأشياء .. لا شئ سوى فيزيائها الخاص، ولا عالم غير عالمها الأزرق والأخضر و الوردي- ألوان التفاؤل والحياة – ولا حب كحبها يتسلق أرجوحة الخيال الملتهب شغفاً بالآتي .. شعور بالغربة يتميز فيه صوت حوافر الخيول القادمة من الماضي السحيق وصليل السيوف التي أسقطت إمبراطوريات وأقامت إمبراطوريات ..
لقد أرادت نسرين الشاعرة أن تخبرنا بأن ( ليس هناك حب للحياة بغير يأس منها) تماماً كما عبّر عنه (كامو) في (الظهر والوجه) فهل يا ترى وصلت نفس الشاعرة إلى لحظة اليأس التام؟ هل خلت نفسها من كل شئ جميل إلا تلك ( الشهوة غير المحدودة إلى الحياة)؟
الألوهة في الكون .. البحر والسماء والشمس التي تغنى بها (فاليري) حلّت محلها ألوهة الأزرق في كيان الشاعرة، والأزرق بالمناسبة اختلف النقاد في دلالاته الشعرية عند الشاعرة نسرين فمنهم من أرجع ذلك الى توق الشاعرة الى الصفاء والنقاء والهدوء في عالم يضج بالقذارة، ومنهم من حار في تفسيره وأنكر حتى على الشاعرة سرّ اختيارها لهذا اللون ، فعده الناقد هاني صاحب حسن في كتابه (أزهار القرنفل) : (عملية تخصّ آلية الخيال ونشاطه) بعد أن اعترف بعدم معرفته لسر اختيار الشاعرة لهذا اللون، وإني أعتقد جازماً بأن الناقد كان يعرف ذلك السّر كما تعرفه الشاعرة ويعرفه القارئ الفطن أيضاً .. فاللون الأزرق رمز قوي يعتز به التركمان منذ الأزل، وهو ملتصق بتأريخهم، وهو لون رايتهم، وما اعتراف الناقد بعدم معرفته سوى عملية تضليل إزاء الرقابة الصارمة آنذاك من قبل السلطة الغاشمة على المطبوعات والمنشورات التركمانية، والدليل على ذلك قول الناقد نفسه في مكان آخر: ( إن نسرين رمزت بالأزرق إلى حيلتها ذلك لما كانت تحيط بهذه الحياة آنذاك من مخاطر و مخاوف تهدد مصير وكيان الشاعرة وكيان أشيائها الأثيرة وأصحابها المقربين) .. أليس هذا الكلام كافياً لتفسير الدلالة القومية للون الأزرق لدى الشاعرة؟ وأغلب الظن أن الناقد قد أشار لهذه النقطة، لكنه فضّل التلميح على التصريح بطريقة ذكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق