كتابة : هاني صاحب
لم أكن أتوقع بان تكون المكالمة الهاتفية بيني وبينه عشية إجراء عملية جراحية كبيرة له في القلب في العاصمة الأردنية عمان، هي الأخيرة، وقد أصرَّ فيها المرحوم على كتم خبر العملية عن جميع المقربين حرصاً منه على عدم تعكير صفو أحد فلقد كان رقيق المشاعر، تدمع عيناه لسماع خبر استشهاد صديق او حتى لسماع قصيدة مؤثرة، صلباً يتصدى بحكمه لأعتى القوى، جريئاً يواجه كل التحديات من أجل المبادئ التي كان يؤمن بها، قلت له مرة بأن هدف النظام السابق من الإجراءات التعسفية ضد التركمان هو محاولته صهر القومية التركمانية والقضاء على وجوده فرد على الفور ونحن نحول دون هذا المغزى البغيض، كان دؤوباً في العمل غزير النتاج وقد ذكر لي عندما كان يعمل مستشاراً ثقافياً لرئيس الجمهورية بأن الرئيس يعجب من حيويته وهو في هذا العمر! كان طموحاً يسعى بشتى السبل لخدمة الثقافة التركمانية وتطويرها، مؤمناً بالشعب التركماني كياناً ووجوداً وحضارةً وفكراً خلاقاً عراقياً أصيلاً، كان قياديا بالفطرة يجمع بين العمل الثقافي والعمل او الفكر السياسي المنفتح المتنور الواثق من النجاحات والمصر على تحقيق المكاسب لشعبه، لا يكل ولا يمل من العمل ليل نهار مبتكراً كل الوسائل والخطوات التي من شأنها أن تؤدي الى الهدف دون المساومة على الثوابت التي يؤمن بها.
حدثني في إحدى المرات عن زيارته مع وفد عراقي برئاسة عبدالامير معلّة الى جمهورية أذربيجان في العهد السوفيتي وكيف ان رئيس الوفد بعد عودتهم الى العراق قد رفع تقريراً الى قيادته يتهم فيه بندر اوغلو بشعوره وكأنه في أرض الميعاد وان المسؤولين هناك كانوا يهتمون به أكثر من إهتمامهم برئيس الوفد مما جعل المرحوم بندر اوغلو يحتقر معلّة حتى بعد تسنم الأخير منصب وكيل وزير الثقافة وقد شاهدنا أنا والأستاذ قحطان هرمزلي هذا الموقف في جله في بغداد كانت تجمعنا والمرحوم مع معلّة وعبدالرزاق عبدالواحد وخسرو الجاف وآخرين في مطعم صلاح الدين.
كان المرحوم إنسانيا يكره التعصب والشوفينية مع اعتزازه الشديد بقوميته التركمانية وكان يجهد دائماً لبناء أمتن الجسور والعلاقات بين القوميات والطوائف في العراق، كما كان يكره روح الهيمنة والتسلط ويصارح المقابل دون مهابة فهو الذي اعترض بشدة على منطق طارق عزيز في احد لقاءاته مع الإعلاميين عندما ذكر الأخير بأن (التركمان حفنة في العراق) ودخل معه في مشادة كلامية وكان الدكتور فاضل بيات حاضراً في القاعة.
كان المرحوم يحصد أكثر الأصوات في انتخابات الإتحاد العام للأُدباء والكتاب - المركز العام - بغداد إذ أن مجموع الأصوات التي كان يحصل عليها يفوق عدد أصوات رجال النظام والمسؤولين في الأجهزة الإعلامية الحزبية وكان يمثل مع المرحوم محمد البدري والمرحوم عادل فؤاد صوت المعارضة في الإتحاد وطالما كانوا يرسمون مسار الإتحاد ويوجهون آليته وبرنامجه بمواقفهم وصلابتهم وحضورهم القوي.
كان وطنياً صادقاً يهوى ان يلصق لفظ التركمان بلفظ العراق دوماً حتى في قصائده وكان طموحاً يخطط لمشاريع سياسية دون أن يتخلى عن نشاطاته الإعلامية والثقافية، لقد رحل على حين غرة وراح معه مشروعه الذي لم يفصحه لي..!
كان المرحوم رائعاً في تعامله مع الآخرين وكنت أحس ذلك وأراه بأم عيني وكان كثير الامتعاض من واقعه المر دون أدنى درجة تشاؤم بل كان دائم التفاؤل والأمل يلمع في عينيه في السراء والضراء، إنما أذكره ليس من باب اذكروا محاسن موتاكم بل هو غيض من فيض كان يلازم المرحوم طوال عقود من الزمن عرفت خلاله الفقيد عن كثب نابضاً بالإخلاص والوفاء والمحبة والشاعرية و .. و.. و ...لقد فقد العراق مثقفاً سياسياً تركمانياً كبيراً .. وفقد التركمان قيادياٌ ناشطاً يمتلك صفات كارزماتية نادرة التكرار.. تغمده الله فسيح جناته وأهلهم ذويه ومحبيه وأصدقائه الصبر والسلوان...
مازلت وكأنني لا أصدق أوكان حين خابرني من الأردن وكفاح من بغداد وهما يفجعان بقولهما : لقد غادر أبانا الحياة !! وهما يبكيان .. وبقيت وسأبقى مذهولاً لموته المفاجئ وسِرَّ اعتزازه اللامحدود بصداقته المجردة تماماً من المصالح معي !!
سيبقى خالداً في ضمائر كل المنصفين.
لم أكن أتوقع بان تكون المكالمة الهاتفية بيني وبينه عشية إجراء عملية جراحية كبيرة له في القلب في العاصمة الأردنية عمان، هي الأخيرة، وقد أصرَّ فيها المرحوم على كتم خبر العملية عن جميع المقربين حرصاً منه على عدم تعكير صفو أحد فلقد كان رقيق المشاعر، تدمع عيناه لسماع خبر استشهاد صديق او حتى لسماع قصيدة مؤثرة، صلباً يتصدى بحكمه لأعتى القوى، جريئاً يواجه كل التحديات من أجل المبادئ التي كان يؤمن بها، قلت له مرة بأن هدف النظام السابق من الإجراءات التعسفية ضد التركمان هو محاولته صهر القومية التركمانية والقضاء على وجوده فرد على الفور ونحن نحول دون هذا المغزى البغيض، كان دؤوباً في العمل غزير النتاج وقد ذكر لي عندما كان يعمل مستشاراً ثقافياً لرئيس الجمهورية بأن الرئيس يعجب من حيويته وهو في هذا العمر! كان طموحاً يسعى بشتى السبل لخدمة الثقافة التركمانية وتطويرها، مؤمناً بالشعب التركماني كياناً ووجوداً وحضارةً وفكراً خلاقاً عراقياً أصيلاً، كان قياديا بالفطرة يجمع بين العمل الثقافي والعمل او الفكر السياسي المنفتح المتنور الواثق من النجاحات والمصر على تحقيق المكاسب لشعبه، لا يكل ولا يمل من العمل ليل نهار مبتكراً كل الوسائل والخطوات التي من شأنها أن تؤدي الى الهدف دون المساومة على الثوابت التي يؤمن بها.
حدثني في إحدى المرات عن زيارته مع وفد عراقي برئاسة عبدالامير معلّة الى جمهورية أذربيجان في العهد السوفيتي وكيف ان رئيس الوفد بعد عودتهم الى العراق قد رفع تقريراً الى قيادته يتهم فيه بندر اوغلو بشعوره وكأنه في أرض الميعاد وان المسؤولين هناك كانوا يهتمون به أكثر من إهتمامهم برئيس الوفد مما جعل المرحوم بندر اوغلو يحتقر معلّة حتى بعد تسنم الأخير منصب وكيل وزير الثقافة وقد شاهدنا أنا والأستاذ قحطان هرمزلي هذا الموقف في جله في بغداد كانت تجمعنا والمرحوم مع معلّة وعبدالرزاق عبدالواحد وخسرو الجاف وآخرين في مطعم صلاح الدين.
كان المرحوم إنسانيا يكره التعصب والشوفينية مع اعتزازه الشديد بقوميته التركمانية وكان يجهد دائماً لبناء أمتن الجسور والعلاقات بين القوميات والطوائف في العراق، كما كان يكره روح الهيمنة والتسلط ويصارح المقابل دون مهابة فهو الذي اعترض بشدة على منطق طارق عزيز في احد لقاءاته مع الإعلاميين عندما ذكر الأخير بأن (التركمان حفنة في العراق) ودخل معه في مشادة كلامية وكان الدكتور فاضل بيات حاضراً في القاعة.
كان المرحوم يحصد أكثر الأصوات في انتخابات الإتحاد العام للأُدباء والكتاب - المركز العام - بغداد إذ أن مجموع الأصوات التي كان يحصل عليها يفوق عدد أصوات رجال النظام والمسؤولين في الأجهزة الإعلامية الحزبية وكان يمثل مع المرحوم محمد البدري والمرحوم عادل فؤاد صوت المعارضة في الإتحاد وطالما كانوا يرسمون مسار الإتحاد ويوجهون آليته وبرنامجه بمواقفهم وصلابتهم وحضورهم القوي.
كان وطنياً صادقاً يهوى ان يلصق لفظ التركمان بلفظ العراق دوماً حتى في قصائده وكان طموحاً يخطط لمشاريع سياسية دون أن يتخلى عن نشاطاته الإعلامية والثقافية، لقد رحل على حين غرة وراح معه مشروعه الذي لم يفصحه لي..!
كان المرحوم رائعاً في تعامله مع الآخرين وكنت أحس ذلك وأراه بأم عيني وكان كثير الامتعاض من واقعه المر دون أدنى درجة تشاؤم بل كان دائم التفاؤل والأمل يلمع في عينيه في السراء والضراء، إنما أذكره ليس من باب اذكروا محاسن موتاكم بل هو غيض من فيض كان يلازم المرحوم طوال عقود من الزمن عرفت خلاله الفقيد عن كثب نابضاً بالإخلاص والوفاء والمحبة والشاعرية و .. و.. و ...لقد فقد العراق مثقفاً سياسياً تركمانياً كبيراً .. وفقد التركمان قيادياٌ ناشطاً يمتلك صفات كارزماتية نادرة التكرار.. تغمده الله فسيح جناته وأهلهم ذويه ومحبيه وأصدقائه الصبر والسلوان...
مازلت وكأنني لا أصدق أوكان حين خابرني من الأردن وكفاح من بغداد وهما يفجعان بقولهما : لقد غادر أبانا الحياة !! وهما يبكيان .. وبقيت وسأبقى مذهولاً لموته المفاجئ وسِرَّ اعتزازه اللامحدود بصداقته المجردة تماماً من المصالح معي !!
سيبقى خالداً في ضمائر كل المنصفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق