كتابة: فاروق مصطفى
صَدم الموت الفجائعي للشاعر الكركوكلي الحميم " سركون بولص " قلوبنا لأننا نعلم نحن صحبتهُ وقراءه أنه لم يكمل المشوار الذي حلم به لأنه كان يحمل الكثير من النصوص التي لم يكتبها بعد وكنا نحن بانتظار تلك الأوراق التي كعادتها تحمل الإبهار والأوهام وأنهاراً من الأسئلة الدافقة ، سركون هذا الشاعر الجوّاب والناثر الجوال التي قضى أعوامه ألأخيرة متنقلاً بين " سان فرانسيسكو " و " برلين" و " لندن " وحاملا الفانوس والعابر أقاليم خوفه أسيجة خوفه في مركب " نوح " بحثاً عن الأزهار الفريدة في ضوْعِها والغريبة في لونها إنه المبتل بأمطار كركوك والمُسنبل في أقاصي نيرانها الأزلية .
قدم " سركون " إلى كركوك عام 1956 وتتلمذ في مدارسها وأبصرَته أول مرة في أعداديتها كان يسبقني عاماً دراسياً ، جسده النحيل وشعره الفاحم غدوا معلمين أليفين عندي ومع مصادقتي لوجوه الصحب الذين عُرفوا فيما بعد بـ " جماعة كركوك " " سركون زهوة الجماعة ، يأتي الصحب دائماً ممتطياً دراجته الهوائية وهو يهبط من بيته المستلقى على مرتفعات محلة " تبة " شنالي المدينة ، جيوله ملأى بأوراقه التي حَبّرها ، قصائد ، قصص ، مترجمات ، وهو رسام وقد أطلعنا على العديد من لوحاته ، وكثيراً ما كان يدفع لي قصائده أقرؤها بصوتي كان يطرب ويخبر بقية الصحب بتلذذه بذلك في هذا الوقت ظهرت نتاجاته على صفحات مجلة ( العاملون في النفط ) وجريدة (الأنباء الجديدة) وصحف بغدادية أخرى ، وفي وقت قريب تخطن كتاباته العاصمة (بغداد) وعبرت الحدود وطفقت تظهر في مجلتين (( الآداب )) و (شعر) في بيروت وخاصة المجلة الأخيرة فتحت صفحاتها لأستقبال هذه الموهبة القادمة وجدأ أسمه يترسخ في خريطة الأدب ، يقيم عوالمه الشعرية ويغتصب الساعات الهاربة بكلماته المجنحة .
يقول الشاعر في قصيدته الموسومة ( آلام بودلير وصلت) والمنشورة في مجلة (شعر) العدد 41 شتاء 1969 :
ماذا أفعل بحياتي ؟
هنالك باحذة ضائعة نزعى بين أحشائي
وأصادف ذات يوم ملابس بودلير الداخلية
كيف وصلت إلى بيروت ؟
آلام بودلير وصلن عن طريق البحر)
وكذلك سركون ركب غيمة غضبهِ وعبر الحدود العراقية إلى بلاد الشام ومنها هبطَ ببيروت وهناك أحْتفِىَ به من قبل جماعة مجلة ( شعر) وفي مقدمتهم الشاعر( يوسف الخال) الذي عاد سركون وأهدى إليه مجموعته الخامسة ((إذا كنت نائماً في مركب نوح )) إلى (يوسف الخال) الأب في ذاكراة الدائمة ولم يطل به المقام بلبنان إذ تركُه إلى الولايات المتحدة عام 1969 ونزل في مدينة (( سان فرانسيسكو )).
قصائد (سركون) حملت نكهة جديدة وكأنها قادمة من جزر الكلمات البعيدة وقد أغتسلت بضوء النجوم وهي مبتلة بأسئلتهِ الدافقة التي تكشف عن ذلك المبُحر في نهر الحياة الغامر إنه يجذفُ ويجذفُ للوصول إلى مدينة (أين) وقد ألتقت في قصائده ثقافات ، الثقافة العربية وقد طعّمها بقراءاته العميقة في الأدب الأنكليزي ثم أضاف إليها خليفيته المسيحية التي أصطبغت بثقافة كركوك الأشية التي تعيش فيها عدة قويات متآخية ومن هذا المصهر خرجت قصائده لتحرث في أرض بِكر وتنبت فواكهها الغربية والمدهشة وهو شاعر المجازات الماتعة التي تسيل بين يديه ، يقول في أحدى قصائده (تاريخ حياة مفتوحة) :
ماضٍ وسكين تريد الأرتجاف
في شرق أعصابي في مرتفعات ضَجري
ماضٍ من النثر ، من السير
هناك في وعاءٍ المطرِ
إنه ينحت أشراقاتهِ الشعرية بأصابعه النحيلة ، ولكن المقتدرة ويجعلها تضيءُ دواخلنا لأن تكشف تضار يسها أشواقنا ، توقنا ، أحترقاتنا إلى معرفة المجهول والأبحار في تَيْهِ الأنسان الذي يضرب قوارع الطرقات تحت أمطار الشتاء نحو أية زاوية حسنة الأضاءة :
أية أنواءِ هناك
تسحب الأجناس نحو
هوّةَ النوم ، إضاءة ، ظلام
ليل على النهود والأطفال والزنوج
مناهج الريج المقوسة
ترمم الألسنة المهجورة
الشهور
منافذ ، باب ، هناك ، لَمْ يَعُدْ
إنه حلم الأنسان ، الشاعر ، الجّوال في أن ينفتح البابُ ليبصرَ مالم يُبصر ويعانق مالم يُعانق ، وهكذا حلّق (سركون) من كركوك إلى بغداد ومنها إلى بيروت ثم عانق العالم الجديد ، وسكن فترةً ( سان فرانسيسكو) ثم عادَ إلى أوربا وبالتحديد إلى (برلين) ليكون قرب أصدقائه من (جماعة كركوك) (فاضل الغزاوي و مؤيد الراوي) الإن الداء لم يرحم جسده فتوقف قلبه صَباح أحد الأيام في مستشفى من مشافي عاصمة ألمانيا .
يقول عنه الشاعر (عباس بيضون) : هو أقرب الشعراء إليَّ والحق أنني ما إنْ قرأت قصائده في (مواقف) حتى ذُهلت كانت هذه واحدة من اللحظات التي نشعر فيها بشرارة الشعر تحترقنا هذه الشهادة التي جاءت بكل صدق في حق الراحل (سركون) تضاف إلى عشرات الكلمات التي كتبت في تأبينهِ في مديح هذا الأنسان الذي ترفع عن التوافهِ ويسكن شعره إذ أحالهُ إلى وطنه البديل وبحث عن الأنهار التي تقوده إلى الضفاف البعيدة ليأتي لنا بقصائده المحملة ببروقها وأ\مطارها وهي عزاؤنا برحيله الذي صَدم محبيهِ ، وصدم قلوبنا التي أحبته ، وهنا إضمامة من قصائده القديمة أرسلها من بغداد إلى بيروت وقد ظهرت على صفحات مجلة شعر البيروتية العدد 36 خريف 1967 :
الغيوم في الجسد
يرى سياجَ الصبر . الخوف
نبيذ في زجاجة الجسد
يرى وتنحنى الغيوم في الجسد
العشب يخفي أثر الكحول
وبصمات الليل والذي يرى
يتابع القدس الوحيد – ممـلكة الزَبد
يتابع الجرح الذي يعزف فـي الجسد
والمرضَ المحاطَ بالطيورِ
بالملحِ والنشيدْ
مدخل
تمهيد هذا المدخل المليء
بالأوراق بالسنوات المجهضة
ثم العبور نحو هذا البيت
نحو يدين نامتا في نافذةٍ
نحو فم منتَهلٍ يحرقه
نحو حقولِ الدمعِ جفنُ أمرأة
ثن العبور للجموع والخروج
للطرق المخفاةِ في صبحة ذئب
في ثلوج النوم في موَتِ الزنوج
الطرقات المخفاةِ في السرير
في خريطة الخوفِ . وهل أجدها
قبل أحتضار العازر الأخير ؟
فنار
لا لستُ أَعني جسداً
أربطه بشهوتي
أخْفضه ، أرفعه
أجرّهُ بين فنارات الحقول
أعني يديك أنتِ أو
أعني وقوفك خلال موجتي
تمشطين غضبي وترفعين لي فمَ الطبيعة
ذاكرة في حدودِ الماء
البحرُ ينفي نفسه
وينتهي بمهل
ويُبْدلُ الموتَ بلون ،
مَغرمَ الأيدي بتجويف الصباح
عاشقاً ومقفراً . ( وربما
جاءت إلى مياهه الخضرِ فتاة
وأستسلمت )
البحر ينتهي بمهل
والليل لا ينقذ من شيء ولكنَّ له الثبات
دون أنحناء ، حركات
أحتفال بالسرير
والموت سهل
بابٌ ، وعين نَلتَقي هادئةً
ببحرها
والبحر يبدأُ
وينتهي بمهلْ
صَدم الموت الفجائعي للشاعر الكركوكلي الحميم " سركون بولص " قلوبنا لأننا نعلم نحن صحبتهُ وقراءه أنه لم يكمل المشوار الذي حلم به لأنه كان يحمل الكثير من النصوص التي لم يكتبها بعد وكنا نحن بانتظار تلك الأوراق التي كعادتها تحمل الإبهار والأوهام وأنهاراً من الأسئلة الدافقة ، سركون هذا الشاعر الجوّاب والناثر الجوال التي قضى أعوامه ألأخيرة متنقلاً بين " سان فرانسيسكو " و " برلين" و " لندن " وحاملا الفانوس والعابر أقاليم خوفه أسيجة خوفه في مركب " نوح " بحثاً عن الأزهار الفريدة في ضوْعِها والغريبة في لونها إنه المبتل بأمطار كركوك والمُسنبل في أقاصي نيرانها الأزلية .
قدم " سركون " إلى كركوك عام 1956 وتتلمذ في مدارسها وأبصرَته أول مرة في أعداديتها كان يسبقني عاماً دراسياً ، جسده النحيل وشعره الفاحم غدوا معلمين أليفين عندي ومع مصادقتي لوجوه الصحب الذين عُرفوا فيما بعد بـ " جماعة كركوك " " سركون زهوة الجماعة ، يأتي الصحب دائماً ممتطياً دراجته الهوائية وهو يهبط من بيته المستلقى على مرتفعات محلة " تبة " شنالي المدينة ، جيوله ملأى بأوراقه التي حَبّرها ، قصائد ، قصص ، مترجمات ، وهو رسام وقد أطلعنا على العديد من لوحاته ، وكثيراً ما كان يدفع لي قصائده أقرؤها بصوتي كان يطرب ويخبر بقية الصحب بتلذذه بذلك في هذا الوقت ظهرت نتاجاته على صفحات مجلة ( العاملون في النفط ) وجريدة (الأنباء الجديدة) وصحف بغدادية أخرى ، وفي وقت قريب تخطن كتاباته العاصمة (بغداد) وعبرت الحدود وطفقت تظهر في مجلتين (( الآداب )) و (شعر) في بيروت وخاصة المجلة الأخيرة فتحت صفحاتها لأستقبال هذه الموهبة القادمة وجدأ أسمه يترسخ في خريطة الأدب ، يقيم عوالمه الشعرية ويغتصب الساعات الهاربة بكلماته المجنحة .
يقول الشاعر في قصيدته الموسومة ( آلام بودلير وصلت) والمنشورة في مجلة (شعر) العدد 41 شتاء 1969 :
ماذا أفعل بحياتي ؟
هنالك باحذة ضائعة نزعى بين أحشائي
وأصادف ذات يوم ملابس بودلير الداخلية
كيف وصلت إلى بيروت ؟
آلام بودلير وصلن عن طريق البحر)
وكذلك سركون ركب غيمة غضبهِ وعبر الحدود العراقية إلى بلاد الشام ومنها هبطَ ببيروت وهناك أحْتفِىَ به من قبل جماعة مجلة ( شعر) وفي مقدمتهم الشاعر( يوسف الخال) الذي عاد سركون وأهدى إليه مجموعته الخامسة ((إذا كنت نائماً في مركب نوح )) إلى (يوسف الخال) الأب في ذاكراة الدائمة ولم يطل به المقام بلبنان إذ تركُه إلى الولايات المتحدة عام 1969 ونزل في مدينة (( سان فرانسيسكو )).
قصائد (سركون) حملت نكهة جديدة وكأنها قادمة من جزر الكلمات البعيدة وقد أغتسلت بضوء النجوم وهي مبتلة بأسئلتهِ الدافقة التي تكشف عن ذلك المبُحر في نهر الحياة الغامر إنه يجذفُ ويجذفُ للوصول إلى مدينة (أين) وقد ألتقت في قصائده ثقافات ، الثقافة العربية وقد طعّمها بقراءاته العميقة في الأدب الأنكليزي ثم أضاف إليها خليفيته المسيحية التي أصطبغت بثقافة كركوك الأشية التي تعيش فيها عدة قويات متآخية ومن هذا المصهر خرجت قصائده لتحرث في أرض بِكر وتنبت فواكهها الغربية والمدهشة وهو شاعر المجازات الماتعة التي تسيل بين يديه ، يقول في أحدى قصائده (تاريخ حياة مفتوحة) :
ماضٍ وسكين تريد الأرتجاف
في شرق أعصابي في مرتفعات ضَجري
ماضٍ من النثر ، من السير
هناك في وعاءٍ المطرِ
إنه ينحت أشراقاتهِ الشعرية بأصابعه النحيلة ، ولكن المقتدرة ويجعلها تضيءُ دواخلنا لأن تكشف تضار يسها أشواقنا ، توقنا ، أحترقاتنا إلى معرفة المجهول والأبحار في تَيْهِ الأنسان الذي يضرب قوارع الطرقات تحت أمطار الشتاء نحو أية زاوية حسنة الأضاءة :
أية أنواءِ هناك
تسحب الأجناس نحو
هوّةَ النوم ، إضاءة ، ظلام
ليل على النهود والأطفال والزنوج
مناهج الريج المقوسة
ترمم الألسنة المهجورة
الشهور
منافذ ، باب ، هناك ، لَمْ يَعُدْ
إنه حلم الأنسان ، الشاعر ، الجّوال في أن ينفتح البابُ ليبصرَ مالم يُبصر ويعانق مالم يُعانق ، وهكذا حلّق (سركون) من كركوك إلى بغداد ومنها إلى بيروت ثم عانق العالم الجديد ، وسكن فترةً ( سان فرانسيسكو) ثم عادَ إلى أوربا وبالتحديد إلى (برلين) ليكون قرب أصدقائه من (جماعة كركوك) (فاضل الغزاوي و مؤيد الراوي) الإن الداء لم يرحم جسده فتوقف قلبه صَباح أحد الأيام في مستشفى من مشافي عاصمة ألمانيا .
يقول عنه الشاعر (عباس بيضون) : هو أقرب الشعراء إليَّ والحق أنني ما إنْ قرأت قصائده في (مواقف) حتى ذُهلت كانت هذه واحدة من اللحظات التي نشعر فيها بشرارة الشعر تحترقنا هذه الشهادة التي جاءت بكل صدق في حق الراحل (سركون) تضاف إلى عشرات الكلمات التي كتبت في تأبينهِ في مديح هذا الأنسان الذي ترفع عن التوافهِ ويسكن شعره إذ أحالهُ إلى وطنه البديل وبحث عن الأنهار التي تقوده إلى الضفاف البعيدة ليأتي لنا بقصائده المحملة ببروقها وأ\مطارها وهي عزاؤنا برحيله الذي صَدم محبيهِ ، وصدم قلوبنا التي أحبته ، وهنا إضمامة من قصائده القديمة أرسلها من بغداد إلى بيروت وقد ظهرت على صفحات مجلة شعر البيروتية العدد 36 خريف 1967 :
الغيوم في الجسد
يرى سياجَ الصبر . الخوف
نبيذ في زجاجة الجسد
يرى وتنحنى الغيوم في الجسد
العشب يخفي أثر الكحول
وبصمات الليل والذي يرى
يتابع القدس الوحيد – ممـلكة الزَبد
يتابع الجرح الذي يعزف فـي الجسد
والمرضَ المحاطَ بالطيورِ
بالملحِ والنشيدْ
مدخل
تمهيد هذا المدخل المليء
بالأوراق بالسنوات المجهضة
ثم العبور نحو هذا البيت
نحو يدين نامتا في نافذةٍ
نحو فم منتَهلٍ يحرقه
نحو حقولِ الدمعِ جفنُ أمرأة
ثن العبور للجموع والخروج
للطرق المخفاةِ في صبحة ذئب
في ثلوج النوم في موَتِ الزنوج
الطرقات المخفاةِ في السرير
في خريطة الخوفِ . وهل أجدها
قبل أحتضار العازر الأخير ؟
فنار
لا لستُ أَعني جسداً
أربطه بشهوتي
أخْفضه ، أرفعه
أجرّهُ بين فنارات الحقول
أعني يديك أنتِ أو
أعني وقوفك خلال موجتي
تمشطين غضبي وترفعين لي فمَ الطبيعة
ذاكرة في حدودِ الماء
البحرُ ينفي نفسه
وينتهي بمهل
ويُبْدلُ الموتَ بلون ،
مَغرمَ الأيدي بتجويف الصباح
عاشقاً ومقفراً . ( وربما
جاءت إلى مياهه الخضرِ فتاة
وأستسلمت )
البحر ينتهي بمهل
والليل لا ينقذ من شيء ولكنَّ له الثبات
دون أنحناء ، حركات
أحتفال بالسرير
والموت سهل
بابٌ ، وعين نَلتَقي هادئةً
ببحرها
والبحر يبدأُ
وينتهي بمهلْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق