2008/04/12

التركمانية أم التركية


كتابة : عباس أرتاش

في البدء كان (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
القرآن الكريم
( في البدء كانت الكلمة وكانت الكلمة لله)
الكتاب المقدس
في البدء استميحكم عذراً وأطلب من أخوتي بسعة الصدر، لأننا جميعاً نسعى وراء أهداف نبيلة ، أهمها رفعة وتطور ورفاهية شعبنا التركماني ، وتمكينه من الحصول على جميع حقوقه كاملة . أشدد هنا على كلمة تمكنيه لأن هذه الكلمة تفرض علينا جميعاً دون استثناء بذل أقصى الجهود في جميع الميادين وباستمرار لتهيئة كافة المستلزمات المادية والمعنوية لوضع إنساننا التركماني على سكة التطور والتقدم و النهوض مجدداً ليأخذ وضعه المتميز الذي كان يشغله فيما مضى.
طبعاً هناك بنود كثيرة على قائمة المستلزمات ، وأول بند في هذه القائمة هو قضية التربية والتعليم . لا أكشف سراً أن وجهت أنظاركم أيها السادة إلى التجربة اليابانية والماليزية والكورية الجنوبية ، كافة هذه الشعوب التي نمت في ميادين الحياة بصورة سريعة ومفاجئة ، دأبت بشكل متواصل على خلق الإنسان المتعلم والمثقف وقدرته على الإمساك بالأهداف والسعي لتحقيقها ، فالأحرى بينا نحن أيضاً الاقتداء بتلك الشعوب ووضع كل همتنا من أجل خلق أرضية سليمة وناجحة للتربية والتعليم .
لنتوقف قليلاً ونلقى نظرة على واقع التعليم عندنا نحن التركمان كي نتبين أين نحن وماذا نفعل ؟
منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن جميع الجهود منصبة ليس فقط على التعليم بالحروف اللاتينية ، وإنما باللغة التركية تحديداً ، معتبرين اللهجة جزءاً مشوهاً من اللغة الأصلية (حسب رأي حتى بعض المثقفين التركمان) لا أجد من أحد يعبر أي اهتمام يذكر لمسألة اللهجة التركمانية ؟ يقول علماء اللغة : بأن اللغة هي وعاء للفكر أي لا يوجد هناك فكر وثقافة وعلم ومشاعر وأحاسيس بدون اللغة . وأن الإنسان لا يستطيع التفكير أو التحدث مع نفسه بدون اللغة. وهكذا عندما يفسد الوعاء أي (اللغة) أو يرتبك ، لا شك أن محتوى الوعاء والفكر هو الآخر سوف ينال نصيبه من ذلك الفعل) . والدليل على ذلك عدم قدرة غالبية التركمان على التحدث والتعبير بطلاقة عن أفكارهم وأحاسيسهم، خاصة عندما يتحدثون في اللقاءات الميدانية التي تجريها فضائية تركمان ايلي وغيرها من وسائل الأعلام في أسواق وحارات كركوك وباقي مناطقنا التركمانية . وحتى بعض الأدباء والفنانين و السياسيين عندما يتحدثون خلال أحدى البرامج – التلفزيونية ، نلاحظ بوضوح ركاكة التعابير والنطق الغير السليم للحروف بالنسبة لمخارجها وطريقة لفظها وحتى المشاهد أو المتلقي هو الأخر غير مؤهل لغوياً للتفاعل اللغوي الايجابي والسليم . السبب في ذلك لا يختلف عليه اثنان . فالمشكلة تكمن في الأساس في عامل اللغة . بدون حل هذه المشكلة ومخاطبة الناس باللغة (اللهجة التي يتحدثون ويفكرون بها) لن نستطيع أن نقدم لهم شيئاً يذكر على طريق التقدم الاجتماعي ودفع الأفراد نحو التحول إلى عناصر ايجابية وبناءة بدل تركهم حجر عثرة أمام بناء المجتمع التركماني القادر على مجارات متطلبات المرحلة الحالية والتهيؤ بجدارة للقفز إلى المراحل القادمة. وبحذف ذلك أذا ما أستمر الحال على ما هو عليه سوف تتحول اللهجة التركمانية إلى لهجة ميتة عندما نحتاج إلى ترجمة أدبنا وخورياتنا وتراثنا إلى اللغة (اللهجة التركية) رب قائل يقول وما الضير في ذلك ؟ أليس هذا أفضل لنا جمعياً ! أليست اللغة الواحدة أفضل من لهجات عديدة تعقد التفاهم والعلاقات بيننا . أنا أعتقد بأن هذا ليس أفضل، لأن طرح المسألة بهذه الصورة هو تبسيط وتسطيح للأمر ، فالمسألة مسألة تراث ، ثقافة ، فكر، فن، شعر، وأدب تراكم على مدى أجيال طويلة، وتفاعلت بشكل حيوي وايجابي مع البيئة المحيطة بها . فأن إلغاء كل ما سبق ذكره كمن يخرج السمكة من الماء ويضعها في ماء الكولونيا بذريعة أن ماء الكولونيا أطيب وأزكى رائحة . وكذلك أنا لست مع الطروحات الشبيهة بالطروحات التي يطرحها الشاعر اللبناني سعيد عقل (ما يتحدث به اللبنانيون هو لغة لبنانية بحتة وليست بإحدى اللغات العربية) . فالموقف الصحيح أعتقد أنه يتجسد في التحرك على مسارين متوازيين ، أحدهما اللهجة التركمانية والعمل على تطويرها ونشرها تحت أشراف هيمنة لغوية تتشكل من متخصصين لغويين وأدباء ومفكرين ، والأخرى هي الاستمرار في تنشيط جهود نشر اللغة التركية ليس فقط على مستوى المدارس ووسائل الأعلام وإنما فتح مراكز محو الأمية أيضاً. أريد أن أطرح هنا سؤالاً ما الذي يجعل لغة ما لغة فصحى وأخواتها مجرد لهجات؟ طبعاً نستطيع عبر استحضار مسار تحول بعض اللهجات إلى لغة فصحى . وتجربة تحول لهجة قريش إلى الفصحى خير مثال على ذلك . عدة أمور ساهمت في تحول لهجة قريش إلى لغة فصحى موحدة لكافة العرب الأول هو مركز قريش التجاري والديني في الجزيرة العربية أما الثاني فكان نزول القرآن الكريم بلهجة قريش. ولكن الغريب في الأمر السماح للعرب بقراءة القرآن بالقراءات السبعة حسب اللهجات العربية الأكثر انتشارا رغم وجود اختلافات بين تلك اللهجات ليس فقط في طريقة نطق الحروف وإنما كانت هناك حتى بعض الخلافات القواعدية بين هذه اللهجات . أن هذه المسألة جديرة بالتوقف عندها وإمعان الفكر فيها وحري بنا أيضاً أبداء الكثير من الاحترام والاعتزاز بلهجتنا التركمانية فاللغة واللهجة ليستا غاية بحد ذاتها بل هما وسيلة لغاية أسمى ألا وهي تطوير الإنسان التركماني فكرياً وثقافياً واجتماعيا .
لاشك بأننا نحن التركمان في مأزق كبير لمن له عينان يرى بهما الأمور على حقيقتها ، فكل ما يحفظ بنا يغلي ويفور، نحن لسنا بحاجة ماسة إلى كل ما يجعلنا نقف على قدمينا فحسب وإنما نحن بحاجة إلى كل ما يدعمنا في المسيرة قدماً نحو الغد الأفضل . عندما يسألني أخي الكبير أن أترجم له الأخبار المقدمة على شاشة فضائية تركمان ايلي أو على شاشة أحدى الفضائيات التركية أشعر بمرارة شديدة وأشعر بمرارة شديدة عندما أخرج إلى سطح منزلي وأجد جميع الصحون اللاقطة موجهة نحو نيل سات أو عرب سات ما عدا منزلاً واحداً أفراده لا يتابعون سوى الأغاني والموسيقى فقط أذاً كيف نستطيع أن نثقف هؤلاء الذين نحن بحاجة ماسة إلى مشاركاتهم في مسار عملية بناء أنفسنا : هل ننتظر صغار التلاميذ حتى يكبروا حينها نحصل على أفراد مثقفين وأدباء ومفكرين قادرين على القراءة والكتابة بلغتنا التركية الفصحى بطلاقة. عندئذ نكون نحن قد أبدعنا في فعل ما لم يستطع فعله الآخرين على مدى عقود من الزمن واستطعنا القضاء على هوية الشعب العظيم والتي هي ليست الخوريات فقط ، بل هي هذا المزيج الرائع النابع من أعماق القلعة والجسر الحجري وكركوك الصوبين ولفة الرأس التركمانية (الجمادانى) والزيون والكحل والخلخال ، والقيم التراثية الحضارية العظيمة الواقعة من قلب موزائيك تركمن ايلى الرائعة. أن من يضع التركمان بين قوسين من الخوريات ومن يريد أن يضعهم كسمكة صغيرة في بركة ماء بعيداً عن البحور المترامية الأطراف من سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى تخوم سور الصين ، لاشك أنه لا يعرف التركمان .
هكذا نكون قد وصلنا إلى السؤال الكبير والمهم ، ما العمل ؟ أنلغي لهجتنا ؟ لهجة أبائنا وأجدادنا التي يعتز بها ويتلقاها بكل حب أبناء عمومتنا في تركيا وأذربيجان وتركمانستان هل ننسى هذه اللهجة الجميلة وننزعها من حياتنا كما ننزع قميصاً متسخاً من على أكتافنا بحجة عدم امتلاكنا لمقومات الكتابة بلهجتنا؟ وبالتالي نسهل أمر الهروب إلى الجاهز المريح بشتى الذراع التي لا تستطيع الصمود أمام الحجج الواقعية والعلمية . على فكرة أني من أشد أنصار تعليم وتعليم اللغة التركية التي أعتبرها أهم أداة ونقطة ارتكاز في نهضتنا الثقافية والفكرية والعلمية . مثلما اللغة الانكليزية أهم وسيلة ومصدر للعلوم والثقافة على الصعيد العالمي فاللغة التركية بالنسبة لنا تحمل نفس القدر من الأهمية في تطورنا ونهضتنا العلمية والثقافية والفكرية التي نصبوا إليها جميعاً . أذاً يجب علينا الاستفادة من تجارب وعطاءات وإبداعات أخواننا في تركيا وأذربيجان وتركمانستان في مجال اللغة . لذا يجب علينا وضع أبجديتنا الخاصة بنا كي نستطيع نحن والأجيال القادمة الاستفادة ومن ثم البناء على تراث وإبداعات أبائنا وأجدادنا . أما الأبجدية ذاتها أمر أبسط مما نتصوره أذا ما أستندنا على تجارب أخواننا نستطيع استعارة جميع حروف الأبجدية من اللغة التركية . نضيف عليها حرف القاف ( ق ، Q) والخاء ( خ ، X ) ونضيف ثلاثة حروف من عندنا ، حرف الحاء (حH ) أي حرف الهاء الموجودة في اللغة التركية ونضع عليها نقطتين أما حرف العين ( ع ، A ) . أما حرف الواو ( و ،W ) نستعير حرف (W) من اللغة الانكليزية قد اكتملت وأصبحت على الشكل الأتي:
طبعاً عند اعتمادنا لهذه الأبجدية في الكتابة نستطيع أن نكتب ونقرأ لهجتنا كما هي بدون أية مشكلة والطباعة الحديثة المعتمدة على الكومبيوتر قادرة على حل جميع مشاكل الطباعة والنشر . وعندما نبدأ مشروع بداء الكتابة بالأبجدية الجديدة الخاصة بنا أجزم بأننا سوف نقوم بثورة ثقافية في المجتمع التركماني في العراق .
لنجرب كتابة عدد من الخوريات التي أنشدها المغني التركماني (موجالا) ومن على منصة الإعدام :
بو خاننان Bu xannan
كه روان كيحه ر بوخاننان Karwan giçer bu xannan
زيلفووي صال داللالا zilfiwi sal dellala
قورتار مه ني بو قاننان Qurtar meni bu qannan

بو آلما دورد اولايدي Bu alma dörd olaydı
قارنما ده رد اولايدي Qarnıma derd olaydı
بويونومو ووران جاللاد Boynumu wuran callad
كه شكه بير مه رد اولايدي Keşke bir merd olaydı


وهذا مقطع من أغنية تركمانية مشهورة :


اياغندا دار شاروار Ayağında dar şarwar
باش قالدير حقا ياروار Baş qadldır haqqa yarwar
بونو خودام يازيبدى Bunu xudam yazıptı
مه نيم اليمده نه وار Menim elimde ne war

هكذا يكون قد وصلنا إلى مسك الختام . وكما ترون نستطيع لمحاولة دفع أنفسنا خطوة إلى الأمام . فمن المؤكد أننا لو اعتمدنا فقط على أبجدية أخواتنا في تركيا دون تطويرها وإضافة الحروف الخاصة بنا عليها لن نستطيع القراءة والكتابة بلهجتنا الجميلة ، ولن نستطيع كتابة تراثنا والتقدم في أي مجال من مجالات الفكرية والثقافية
وأنني أهب بجميع أخواتي العاملين في مجال اللغة والأعلام والأدب وخصوصاً الأحزاب واتحادات الأدباء والفنانين وكافة المنظمات المدنية التركمانية أخذ الأمر بشيء من آلية ، ومناقشة الموضوع مناقشة مستفيضة. وعند توفر القناعة بأهمية وضرورة ما نوهت إليه بخصوص لهجتنا العظيمة الجميلة ، أرجو الانخراط في العمل من أجل أطلاق ودفع هذه العملية الإنسانية العظيمة والنبيلة قدماً إلى الأمام والله وراء القصد . نسأل الله عز وجل النجاح والتوفيق لنا جميعاً.
وهنا أود تقديم بعض المقترحات التي ربما ستكون لبنة متواضعة على طريق أحياء وتطوير لهجتنا التركمانية ، وجعلها أهم أداة ونقطة ارتكاز نهضتنا في كافة المجالات الفكرية والثقافية والفنية .
1- أنشاء مَجْمعَ اللغة التركمانية وذلك بهدف :
أ – دراسة اللغة التركمانية في العراق ، ووضع أبجدية جديدة لها .
ب – وضع مناهج دراسة اللغة التركمانية في المدارس المشمولة بالدراسة التركمانية في المرحلة الابتدائية . أما المرحلتين المتوسطة والإعدادية فيمكن فيها دراسة التركمانية إلى جانب اللغة التركية .
2- فتح مراكز محو الأمية في جميع المناطق التي يتواجد التركمان في العراق وخارجه بأشراف قسم الدراسة التركمانية في مديرية التربية في كركوك .
3- تفعيل دور وسائل الأعلام عموماً في هذا المجال وتقوية التلفزيون الأرضي وتخصيصه للبرامج المحلية التي تقدم باللغة التركمانية . ورفع مستوى الراديو ورفده بدماء جديدة لتخليصه من مرض ما يطلبه المستمعون وتقديم برامج تتسم بالجدية والقيمة الفكرية والفنية.
4- الاستفادة من جميع المناسبات التاريخية والدينية والاجتماعية . وذلك لإقامة الأماسي والحفلات والأنشطة الفنية والاجتماعية لخلق التواصل اللغوي والثقافي بين أفراد المجتمع التركماني لتخليصه من الأمراض والسلوكيات السلبية التي تفشت بينهم نتيجة الظروف الغير الطبيعية التي عاشها العراق عموماً . ورفع المستوى الثقافي للفرد التركماني وتهيئة وأعداده بشكل ايجابي كي يأخذ دوره في عملية البناء الفكري الثقافي والتنموي والتي تستطيع عبرها رؤية شمس الغد وهي تشرق علينا بعد كل تلك السنوات العجاف .

ليست هناك تعليقات: